مقال

جسور المعرفة: رؤى تربوية للمستقبل (12) التعليم الأخضر: دمج قضايا البيئة في المناهج التربوية

بقلم الخبير التربوي الدكتور ناصر الجندي

مع تصاعد التحديات البيئية العالمية، مثل التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث، أصبح التعليم الأخضر ضرورة ملحة لإعداد أجيال قادرة على مواجهة تلك التحديات. التعليم الأخضر، أو “التعليم من أجل الاستدامة”، يُعتبر أحد الاتجاهات الحديثة التي تهدف إلى إدماج قضايا البيئة في المناهج الدراسية، مما يُعزز الفهم العميق للعلاقة بين الإنسان والبيئة، ويُسهم في بناء مجتمعات مستدامة.
يشكل التعليم الأخضر خطوة استراتيجية لتحويل التعليم من أداة لتلقين المعرفة إلى وسيلة لتغيير السلوكيات وتحقيق التنمية المستدامة. وهذا المقال يناقش مفهوم التعليم الأخضر، أهميته، استراتيجياته، أمثلته العالمية، والتحديات والحلول المتعلقة به.

التعليم الأخضر: مفهومه وأبعاده
تعريف التعليم الأخضر
يشير التعليم الأخضر إلى عملية تعليمية تُدمج فيها القضايا البيئية بشكل منهجي في جميع جوانب التعليم، بدءًا من المناهج الدراسية وصولاً إلى الأنشطة اللاصفية. يهدف التعليم الأخضر إلى تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات والقيم التي تُعزز احترام البيئة وتعزز سلوكيات مستدامة.
أبعاد التعليم الأخضر
1. البعد المعرفي: تقديم المفاهيم العلمية المرتبطة بالبيئة، مثل الاحتباس الحراري وأهمية التنوع البيولوجي.
2. البعد القيمي: تعزيز قيم المسؤولية الفردية والجماعية تجاه البيئة.
3. البعد السلوكي: تغيير السلوكيات اليومية نحو ممارسات صديقة للبيئة.
4. البعد العملي: تنفيذ مشاريع تطبيقية تعزز من الفهم الواقعي للتحديات البيئية.
أهداف التعليم الأخضر
• بناء جيل واعٍ بأهمية البيئة وقادر على التصدي للتحديات البيئية.
• تعزيز الابتكار في التعامل مع قضايا الاستدامة.
• ربط التعليم بالممارسات الحياتية اليومية لتحقيق تغيير حقيقي في المجتمع.
أهمية التعليم الأخضر
1. إعداد الأجيال لمواجهة التحديات البيئية
يُعد التعليم الأخضر وسيلة فعالة لإعداد الطلاب لمواجهة تحديات مثل التغير المناخي وندرة الموارد الطبيعية.
2. تحقيق أهداف التنمية المستدامة
يدعم التعليم الأخضر العديد من أهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف الرابع (التعليم الجيد) والهدف الثالث عشر (العمل المناخي). (United Nations, 2015).
3. تعزيز القيم الإنسانية
يسهم التعليم الأخضر في ترسيخ قيم التعاون، المسؤولية، والتضامن المجتمعي.
4. تمكين المجتمعات
يعزز التعليم الأخضر من قدرات الأفراد والمجتمعات على اتخاذ قرارات مستدامة مبنية على المعرفة.

استراتيجيات دمج التعليم الأخضر في المناهج الدراسية
1. تطوير المناهج الدراسية
 إدماج موضوعات بيئية محددة: مثل أهمية الطاقة المتجددة وإدارة الموارد الطبيعية.
 تعزيز التعليم متعدد التخصصات: ربط القضايا البيئية بمختلف المواد الدراسية مثل العلوم والجغرافيا.
2. التعليم العملي
 تنفيذ مشاريع ميدانية مثل زراعة الأشجار وتنظيف المناطق العامة.
 إنشاء مختبرات بيئية في المدارس لدراسة التحديات البيئية.
3. تدريب المعلمين
 توفير دورات تدريبية للمعلمين حول التعليم الأخضر وأساليبه.
 تعزيز مهارات المعلمين في التعليم التفاعلي واستخدام التكنولوجيا.(Tilbury, 2011) .
4. استخدام التكنولوجيا
 الواقع الافتراضي: لتوفير تجارب تعليمية تحاكي التحديات البيئية.
 التعلم الإلكتروني: لتقديم مواد تعليمية غنية ومتنوعة حول القضايا البيئية.
5. الشراكات المجتمعية
 التعاون مع منظمات المجتمع المدني لتنفيذ مشاريع بيئية.
 إشراك الطلاب في الحملات الوطنية والدولية لحماية البيئة.

أمثلة دولية على التعليم الأخضر
1- فنلندا
تمتاز فنلندا بدمج التعليم الأخضر في جميع مراحل التعليم، مع التركيز على التعليم العملي مثل الزراعة وإعادة التدوير.
2- اليابان
يعتمد التعليم الياباني على فلسفة الاحترام العميق للطبيعة، حيث تُنظم رحلات ميدانية تُعلم الطلاب أهمية التعايش مع البيئة.
3- الولايات المتحدة
تتبنى الولايات المتحدة مبادرة “المدارس الخضراء”، التي تهدف إلى إنشاء بيئات تعليمية مستدامة وصديقة للبيئة (Gough, 2010).

التحديات التي تواجه التعليم الأخضر
1- نقص الموارد
يتطلب التعليم الأخضر استثمارات مالية كبيرة لتطوير المناهج وتوفير البنية التحتية المناسبة.
2- ضعف الوعي المؤسسي
عدم إدراك أهمية التعليم الأخضر بين الإدارات التعليمية يُشكل تحديًا كبيرًا.
3- قلة الكوادر المؤهلة
يتطلب التعليم الأخضر معلمين مدربين على أساليبه ومفاهيمه.
4- مقاومة التغيير
قد تواجه مبادرات التعليم الأخضر معارضة من بعض الأطراف بسبب الخوف من التغيير.

حلول مقترحة
1. زيادة التمويل الحكومي: لتطوير المناهج وتوفير التدريب للمعلمين.
2. تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص: لدعم مبادرات التعليم الأخضر.
3. إطلاق حملات توعية: لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التعليم الأخضر.
4. إدماج التعليم الأخضر في السياسات التعليمية الوطنية: لضمان استدامته.

الخلاصة

التعليم الأخضر هو استثمار في المستقبل، حيث يُمكن للأجيال القادمة أن تتعلم كيفية العيش بتناغم مع البيئة، مما يُسهم في بناء مجتمعات أكثر استدامة. من خلال تصميم مناهج مبتكرة، تدريب المعلمين، وتعزيز الشراكات المجتمعية، يمكننا تحقيق التحول المطلوب نحو تعليم يضع البيئة في قلب العملية التعليمية.
إن دمج التعليم الأخضر ليس مجرد إضافة للمناهج، بل هو تغيير جذري يُعيد صياغة دور التعليم كوسيلة لتحفيز التغيير الإيجابي على مستوى الأفراد والمجتمعات.
المراجع
1- Gough, S. (2010). Sustainability Education: Perspectives and Practice Across Higher Education. Routledge.
2- Tilbury, D. (2011). Education for Sustainable Development: An Expert Review of Processes and Learning. Paris: UNESCO.
3- United Nations. (2015). Transforming Our World: The 2030 Agenda for Sustainable Development. United Nations General Assembly.
4- برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2020). التعليم الأخضر في الدول النامية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى