مقال

من روائع تفسير الفخر الرازي “عبادة الذكر” 1″

بقلم / محمد ابوخوات

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

 

_*الذكر ضد النسيان*_ … ومن ذكر الله في نفسه … ذكره الله في نفسه بالرحمة والهداية والتوفيق للخير . ومن نسي الله حرمه الله من تلك النعم ( نسوا الله فنسيهم )…

ومن ذكر الله تعالى في ملأ ( الناس ) .. ذكره الله تعالى في ملأ خير منه ( الملائكة ) .

يباهي بك الملائكة…

ولذا يأمرنا الله تعالى بذكره كثيرا …لحاجتنا الشديدة لرحمته و عفوه وستره …

*كيف نذكر الله تعالى كما يحب ..* *ليمنحنا ما نحب ..؟؟*

 

﴿فَٱذۡكُرُونِیۤ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِی وَلَا تَكۡفُرُونِ﴾ [البقرة ١٥٢]

 

يقول الرازي رحمه الله تعالى:

قَوْلُهُ تَعالى ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكم واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ﴾

 

اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى كَلَّفَنا في هَذِهِ الآيَةِ بِأمْرَيْنِ:

١- *الذِّكْرِ* ،

٢- *الشُّكْرِ*

أمّا الذِّكْرُ فَقَدْ يَكُونُ :

١- *بِاللِّسانِ*

٢- أو *بِالقَلْبِ*

٣- أو *بِالجَوارِحِ*

فذكر اللسان

فَذِكْرُهم إيّاهُ بِاللِّسانِ … أنْ يَحْمَدُوهُ ويُسَبِّحُوهُ ويُمَجِّدُوهُ ويَقْرَءُوا كِتابَه.

و ذكر القلوب

وذِكْرُهم إيّاهُ بِقُلُوبِهِمْ عَلى ثَلاثَةِ أنْواعٍ:

أحَدُها:

أنْ يَتَفَكَّرُوا في الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى ذاتِهِ وصِفاتِهِ، ويَتَفَكَّرُوا في الجَوابِ عَنِ الشُّبْهَةِ القادِحَةِ في تِلْكَ الدَّلائِلِ.

وثانِيها:

أنْ يَتَفَكَّرُوا في الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى كَيْفِيَّةِ تَكالِيفِهِ وأحْكامِهِ وأوامِرِهِ ونَواهِيهِ ووَعْدِهِ ووَعِيدِهِ، فَإذا عَرَفُوا كَيْفِيَّةَ التَّكْلِيفِ وعَرَفُوا ما في الفِعْلِ مِنَ الوَعْدِ، وفي التَّرْكِ مِنَ الوَعِيدِ سَهُلَ فِعْلُهُ عَلَيْهِمْ.

وثالِثُها:

أنْ يَتَفَكَّرُوا في أسْرارِ مَخْلُوقاتِ اللَّهِ تَعالى حَتّى تَصِيرَ كُلُّ ذَرَّةٍ مِن ذَرّاتِ المَخْلُوقاتِ كالمِرْآةِ المَجْلُوَّةِ المُحاذِيَةِ لِعالَمِ القُدُسِ، فَإذا نَظَرَ العَبْدُ إلَيْها انْعَكَسَ شُعاعُ بَصَرِهِ مِنها إلى عالَمِ الجَلالِ، وهَذا المَقامُ مَقامٌ لا نِهايَةَ لَهُ.

 

و ذكر الجوارح

أمّا ذِكْرُهم إيّاهُ تَعالى بِجَوارِحِهِمْ، فَهو أنْ تَكُونَ جَوارِحُهم مُسْتَغْرِقَةً في الأعْمالِ الَّتِي أُمِرُوا بِها، وخالِيَةً عَنِ الأعْمالِ الَّتِي نُهُوا عَنْها، وعَلى هَذا الوَجْهِ سَمّى اللَّهُ تَعالى الصَّلاةَ ذِكْرًا بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩] فَصارَ الأمْرُ بِقَوْلِهِ: ﴿فاذْكُرُونِي﴾ مُتَضَمِّنًا جَمِيعَ الطّاعاتِ،

فَلِهَذا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قالَ: اذْكُرُونِي بِطاعَتِي، فَأجْمَلَهُ حَتّى يَدْخُلَ الكُلُّ فِيهِ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿أذْكُرْكُمْ﴾ فَلا بُدَّ مِن حَمْلِهِ عَلى ما يَلِيقُ بِالمَوْضِعِ، والَّذِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ الثَّوابِ والمَدْحِ، وإظْهارِ الرِّضا والإكْرامِ، وإيجابِ المَنزِلَةِ، وكُلُّ ذَلِكَ داخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: ﴿أذْكُرْكُمْ﴾ ثُمَّ لِلنّاسِ في هَذِهِ الآيَةِ عِباراتٌ:

الأُولى: اذْكُرُونِي بِطاعَتِي أذْكُرْكم بِرَحْمَتِي.

الثّانِيَةُ: اذْكُرُونِي بِالدُّعاءِ أذْكُرْكم بِالإجابَةِ والإحْسانِ وهو بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] وهو قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ، قالَ: أمَرَ الخَلْقَ بِأنْ يَذْكُرُوهُ راغِبِينَ راهِبِينَ، وراجِينَ خائِفِينَ، ويُخْلِصُوا الذِّكْرَ لَهُ عَنِ الشُّرَكاءِ، فَإذا هم ذَكَرُوهُ بِالإخْلاصِ في عِبادَتِهِ ورُبُوبِيَّتِهِ ذَكَرَهم بِالإحْسانِ والرَّحْمَةِ والنِّعْمَةِ في العاجِلَةِ والآجِلَةِ.

الثّالِثَةُ: اذْكُرُونِي بِالثَّناءِ والطّاعَةِ أذْكُرْكم بِالثَّناءِ والنِّعْمَةِ.

الرّابِعَةُ: اذْكُرُونِي في الدُّنْيا أذْكُرْكم في الآخِرَةِ.

الخامِسَةُ: اذْكُرُونِي في الخَلَواتِ أذْكُرْكم في الفَلَواتِ.

السّادِسَةُ: اذْكُرُونِي في الرَّخاءِ أذْكُرْكم في البَلاءِ.

السّابِعَةُ: اذْكُرُونِي بِطاعَتِي أذْكُرْكم بِمَعُونَتِي.

الثّامِنَةُ: اذْكُرُونِي بِمُجاهَدَتِي أذْكُرْكم بِهِدايَتِي.

التّاسِعَةُ: اذْكُرُونِي بِالصِّدْقِ والإخْلاصِ أذْكُرْكم بِالخَلاصِ ومَزِيدِ الِاخْتِصاصِ.

العاشِرَةُ: اذْكُرُونِي بِالرُّبُوبِيَّةِ في الفاتِحَةِ أذْكُرْكم بِالرَّحْمَةِ والعُبُودِيَّةِ في الخاتِمَةِ.

 

( … و الذاكرين الله كثيرا والذاكرات … )

كن منهم .. تكن معهم

وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى