شاعرات العشق العربى اللائى جمعهن الشاعر الكبير أحمد سويلم كثيرات وقد استخلص من شعرهن بعض ملامح للحياة الاجتماعية، وأكد أن دورهن الأدبى غيب عمدا، وستقابلنا فى هذه الدراسة المرأة كشاعرة وناقدة فى العصرالجاهلى، وسلط الضوء على شاعرات الشعر المصرى القديم، ثم انتقل إلى الشاعرات العربيات ومنهن “أم الضحاك المحاربية” وقصتها من أمتع قصص الحب فى العصر الجاهلى، مما جعلنى أبحث عنها فى مصادر أخرى وأقدمها،
وإنى لأخال المقال أقصر من أن يقف على سيمولوجية الإشارات التى فاض بها شعرها علاوة عن باقى الشاعرات؛ فهذا يحتاج إلى عدة مقالات، وأدعو الباحثين لتناوله كموضوع للدراسات العليا؛ ولكنى سأسرد طرفا من قصتها التى وردت فى عدة مصادر، منها الأمالى للقالى، حيث تعتبر قصتها من قصص العشق الملتهبة التى ذاع صيتها بين العرب؛ ذلك لأن العصر الجاهلى أو من أرخوا له حاولوا أن يظهروا المرأة بصورة المهانة والجاهلة؛ حتى بات هذا قارا فى المخيال الشعبي.
وقد ساعدت الدراما على تثبيت هذه الصورة، فهى أشد تأثيرا من الكتب والبحوث العلمية. تقول أمانى أريس فى بوابة الشروق وقد تناولت جانبا من حياتها بشكل علمى جميل إن الشاعرة أم الضحاك كان حضورها طاغيا على زوجها، لكنى أعارضها بعض الشىء ، فإن طغيان صورتها نظرا لكونها الشاعرة، والشعر كان صاحب سلطة فى هذا العصر .
تزوجت من رجل يدعى الضبابى أو عطية أو زيد وأظن تعدد الاسم فى المصادر بناء على ذكرها له فى شعرها الذى ناجته به، كما كان يفعل الرجال فى شعرهم بالنسبة لذكر المرأة ، أما هى نفسها فلم يذكروا اسمها وإنما كنّوها بأم الضحاك، يدلنا هذا على توقير للمرأة بإخفاء اسمها. فقد كانت المرأة تسمى وتكنى وتشتهر الكنية على الاسم ، فلما تزوجت الضبابى وقد شغفها حبا وشغف بها، غارت عليه وغار عليها؛ لكنها أقامت الحجة القوية على خيانته وصاغتها شعرا فقالت:»وذى حاجة ما باح وقد بدت/ شواكل منها ما إليك سبيل.
لنا صاحب لا نشتهى أن نخونه/ وأنت لأخرى فارع ذاك خليل. تخالك تهوى غيرها فكأنما/ لها فى تظنيها عليك دليل. ومع هذا الحب الذى ذاع بينهما طلقها، وتزوج غيرها وظلا على حال الحب والولع ببعضهما حتى قالت:” ما عالج الناس من وجد تضمنهم / إلا ووجدى به فوق الذى وجدوا”. وبعد مدة تقابلا فى الحج فعلمت بوجوده فأنشدت :” هل القلب إن لاقى الضبابى خاليا/ لدى الركن أو عند الصفا متحرج. وأعجلنا قرب المحل وبيننا / حديث كتنشاج المريضين مزعج. حديث لو أن اللحم يصلى بحرّه/ طريّا أتى أصحابه منضج” ، ثم لم تستطع أن تمنع نفسها عنه فتشبثت بثوبه وأنشدت تقول : “تهجر من تحب بغير جرم/ أسأت إذن وأنت ظلوم. تؤرقنى الهموم وأنت خلو/ لعمرك ما تؤرقك الهموم. فلا والله آمن بعد زيد/ خليلا ما تغورت النجوم” .
لقد دلت الأبيات على حق المرأة فى الحب، والتعبير عنه، بل وتوقير المجتمع له، مما يعنى ارتفاع قدرها فى مجتمعها عكس الصورة الذهنية الشعبية التي استقرت في الوجدان الجمعي الشعبي . إن كتاب شاعرات العشق غير مسبوق، وسيظل نبراسا لمن يريد قبسا أو يجد على النار هدى.