الدكتور ناصر الجندى يكتب:قصة قصيرة بعنوان “إينار والجريمة الناقصة”

بقلم الدكتور ناصر الجندي
في قرية نائية، كانت مدرسة “النور” تبدو كصرح للعلم والانضباط، لكنها كانت أيضًا مسرحًا لمؤامرة دموية تتخمر في الظلال.
إينار، المديرة الصارمة، لم تكن مجرد قائدة حازمة، بل امرأة تحمل قلبًا أسود ينبض بالطموح والجشع. وراء أبواب مكتبها، كانت تحوك خيوط جريمة خبيثة مع عشيقها جلال، المدرس الفاسد، الذي يتقن فن الخداع بمهارة ساحر محترف.
كان الضحية فؤاد، زوجها الطيب، الرجل الذي عرف أكثر مما ينبغي عن فساد زوجته وعلاقتها المحرمة.
“يجب أن يختفي.” قالتها إينار وهي تدفع كوبًا زجاجيًا نحو جلال، بداخله سائل شفاف.
رفع جلال الكوب بحذر، تأمله للحظة قبل أن يبتسم ابتسامة جانبية:
“سم؟ لم أتوقع أنك جريئة إلى هذا الحد، إينار.”
“لا أترك أمورًا كهذه للصدف.” قالت ببرود. “سأدعوه غدًا لمكتبي، وأنت ستضع له السم في الشاي.”
هزّ جلال رأسه موافقًا، لكن في داخله كان يعرف أن الأمور لن تسير بسلاسة. كان لديه نقطة ضعف خطيرة: نسرين، معلمة الكيمياء الذكية التي كانت تراقب تحركاته عن كثب.
المصيدة
في اليوم التالي، دخل فؤاد مكتب إينار كعادته، حاملاً لها الغداء بابتسامته الطيبة. كان جلال قد أعد الشاي مسبقًا، ووضع الكوب المسموم أمامه، قائلاً بوداعة زائفة:
“جرعة من الدفء في هذا الطقس البارد، أستاذ فؤاد.”
رفع فؤاد الكوب إلى شفتيه، لكنه قبل أن يشرب، دوّى صوت حاد من خلف الباب:
“توقف!”
اندفع الباب بعنف، وظهرت نسرين، أنفاسها متلاحقة وعيناها مشتعلة بغضب.
“لا تشربه!”
تجمدت ملامح جلال، بينما قفزت إينار من مقعدها كمن لدغته أفعى. نظر فؤاد إلى الجميع بحيرة، قبل أن تقترب نسرين، تمسك بالكوب بحذر:
“عرفت أنك تخطط لشيء، جلال. أخذت عينة من الشاي إلى المختبر، والنتائج… قاتلة.”
لم تجد إينار وقتًا للإنكار، فقد انطلقت أصوات صفارات الشرطة من الخارج. التفتت إلى جلال، فوجدت عينيه ترتجفان، يعلم أنه لن يتحمل التحقيقات.
“إينار هي من خططت لكل شيء!” صاح فجأة، محاولًا التملص.
لم تقاوم إينار حينما قُيدت يداها، بل جلست بهدوء، تنظر إلى الجدران، كأنها تستوعب أن ذكاءها أخفق في اللحظة الأخيرة.
أما نسرين، فقد سارت في الممرات الطويلة للمدرسة في اليوم التالي، تشعر بنسيم النصر، وتهمس لنفسها:
“الذكاء ليس أن تضع خطة محكمة… بل أن تعرف متى ستنكشف.”