تحتفل مصر هذه الايام بأغلى انتصاراتها في التاريخ الحديث واليوم بعد 50 عاما نتذكر كل ما قدمه شعب مصر وجيشه العظيم في هذه الحرب وعندما نحيي ذكرى ذلك النصر العظيم، فيجب علينا أن نتذكر مرارة الهزيمة، في الخامس من يونيو 67، حين شن العدو الإسرائيلي هجومه في التاسعة صباحاً، وتمكن من النيل من قواتنا الجوية، وشل حركة المطارات العسكرية، فاستباح سمانا، موفراً الغطاء الجوي اللازم لقواتهم البرية لاختراق الحدود في سيناء … وفي ستة أيام، كانت إسرائيل قد احتلت أرض سيناء، والجولان، والضفة الغربية، والقدس … فأسميناها، جميعاً، “نكسة 67”.
وأعلن موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، حينها، أنه يجلس بجانب الهاتف، في انتظار مكالمة عبد الناصر، ليملي على مصر شروط الهزيمة! فتجلت عظمة الشعب المصري، وقواته المسلحة، في رفض الهزيمة، والإصرار على تحويلها إلى نصر، ورفض تنحي الرئيس عبد الناصر، وبدأنا، يومها، في إعادة بناء الجيش المصري، معنوياً ومادياً، وإعادة تسليحه، من جديد، بأحدث الأسلحة والمعدات، ولا ننكر، هنا، دور الاتحاد السوفيتي، الذي وفر للقوات المسلحة المصرية احتياجاتها من الأسلحة والمعدات الحديثة، كما أمدها بالخبرة الروسية في إعداد جيش جديد، على أعلى الدرجات من التنظيم، والكفاءة القتالية.
استبسل الجيش المصري للثأر، فكانت أولى المعارك التي رفعت الروح المعنوية، ليس للقوات المسلحة المصرية، فقط، بل للشعب المصري كله، هي معركة رأس العش، التي دارات يوم 1 يوليو 67، والتي حاول فيها العدو الإسرائيلي التقدم نحو مدينة بورفؤاد، لاحتلالها، وأمام رأس العش، جنوب المدينة، تصدى له ثلاثون مقاتل، من قوات الكتيبة 43، من الصاعقة المصرية، بأسلحتها الخفيفة، وتمكنت من وقف تقدمهم، ومنعهم من احتلال بور فؤاد بل وتدمير مجنزراتهم، وأسلحتهم، فكانت أول معركة حقيقية للجيش المصري.
بعدها بأيام وصلت معلومات للقيادة العامة للقوات المسلحة، بقيام العدو الإسرائيلي بتشوين معدات للعبور، في منطقة القنطرة شرق، على المحور الأوسط، في منطقة الطاسة، فقامت قواتنا الجوية بالهجوم على هذه التشوينات، يومي 14 و15 يوليو 67، فكان ظهور الطائرات المصرية، وعبورها القناة، إلى سيناء، لتدمير هذه التجمعات، أثر كبير في رفع الروح المعنوية لقواتنا في منطقة القناة.
توالت، بعدها، الضربات المصرية، فكان من أعظمها إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 24 أكتوبر 67، بعد أشهر قليلة من الهزيمة، عندما توغلت المدمرة إيلات، أكبر قطعة بحرية إسرائيلية، في المياه الإقليمية، تجاه بورسعيد، فانطلق زورقين، مصريين، من قاعدة بورسعيد البحرية لتدمير المدمرة، وقاما بإطلاق الصواريخ عليها، فغرقت أكبر قطعة بحرية إسرائيلية، وفخر قواتهم البحرية، أمام شواطئ بورسعيد، ولازال هيكلها يرقد في قاع المتوسط، أمام الشاطئ، شاهداً على بطولة الجيش المصري العظيم.
استمرت المعارك لمدة 6 سنوات، وهي عمر حرب الاستنزاف، على طول جبهة قناة السويس، تم، خلالها، تهجير سكان مدن القناة، إلى مدن في وسط الدلتا، فأقامت العائلات في المدارس، وأماكن المصايف في رأس البر، وتحملت الكثير من العناء، برضا، وإيمان، بضرورة المشاركة في بذل التضحيات، في سبيل تحقيق النصر، واستعادة الكرامة، والأرض، المصرية ورغم ذلك كان الكل راضٍ، مؤمن بالتضحية من أجل أن تستعيد مصر كرامتها وأرضها.
بنى جيش العدو الإسرائيلي، أقوى، خط دفاع في العصر الحديث، وهو خط بارليف، لمنع هجوم القوات المصرية لاسترداد سيناء، وأثناء زيارته للجبهة، على قناة السويس، لمتابعة خطة المدفعية المصرية لتدمير ذلك الخط، استشهد الفريق عبد المنعم رياض، يوم 9 مارس 1969، في الموقع رقم 6، على الخط الأمامي، أثناء متابعته لاشتباكات المدفعية، إذ انفجرت إحدى الطلقات المدفعية، وتصيبه، ليستشهد، ويكون أول رئيس أركان، في تاريخ العسكرية، في العالم كله، يستشهد على الخط الأمامي … فاستحق أن تخلد ذكراه، بأن يصبح هذا اليوم، هو يوم الشهيد في مصر.
استمر الجيش المصري في التدريب، على خطط العبور، في وسط الدلتا، في مياه نهر النيل، وعندها لمعت أفكار شباب القوات المسلحة المصرية، للتغلب على مشاكل العبور، واقتحام خط بارليف، فكان منها فكرة المقدم باقي زكي يوسف، التي تم تنفيذها، بالفعل، في حرب أكتوبر 73، بالتغلب على الساتر الترابي، بإحداث ثغرات به، باستخدام مضخات، وخراطيم المياه، والتي لولاها لما استطعنا إنشاء الكباري، لعبور الدبابات، والمدفعيات، وباقي الأسلحة والمعدات.
كما كان “التوجيه 41″، الذي أعده الفريق سعد الدين الشاذلي، ومجموعة من الضباط، هو الخطة الحقيقية لعبور 12 موجة بالقوارب، لمهاجمة خط بارليف، وتدميره، فكانت هذه الخطة مفتاح النصر لحرب السادس من أكتوبر. امتدت نجاحات المصريين، في التخطيط، وتنفيذ حائط الصواريخ، للتغلب على التفوق الجوي الإسرائيلي، وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية لنجاح عبور القوات المسلحة المصرية، ووصول 200 ألف مقاتل، إلى الضفة الشرقية للقناة، دون تدخل القوات الجوية الإسرائيلية.
وتعتبر “لجنة أجرانات” أكبر دليل على نجاح القوات المصرية، في خداع العدو الإسرائيلي، تلك اللجنة التي شكلتها إسرائيل، للوقوف على أسباب فشل مخابراتهم العسكرية، في الكشف عن نية مصر في شن هجومها يوم السادس من أكتوبر، وللبحث في القصور في عمليات حرب أكتوبر، التي أدت إلى هزيمة إسرائيل. وقد خلصت تلك اللجنة إلى تأكيد هزيمة الإسرائيليين، مما دفعها للتوصية بإقالة إيلي زعيرا، مدير المخابرات العسكرية، وإقالة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ديفيد إلعازر، وعدد من قيادات المخابرات العسكرية الإسرائيلية. وظلت تفاصيل تقرير تلك اللجنة، محاطة بأعلى درجات السرية، ولم يتم تداولها إعلامياً، لتأثيرها السلبي على معنويات الإسرائيليين ورغم مرور خمسون عام على الحرب لم يصدر للان نتيجة لجنة اجرانات.
وهكذا فإن القوات المسلحة المصرية حققت، في هذه الحرب، أغلى انتصار، في العصر الحديث، ضد هذا العدو الإسرائيلي، واستعادت أرض سيناء الغالية لمصر، ولشعبها، ولجيشها، وأصبحت نتائج هذه الحرب تدرس في أعتى المعاهد والكليات العسكرية، في العالم. فاستحق الشعب المصري أن يفتخر بهذا النصر العظيم، الذي حققه بالتحامه مع قواته المسلحة، وثقته فيها.