الربيع الكاذب
قصة قصيرة بقلم يوسف عثمان
وضعت يمناها على عينيها
بعدما أغمضتها على صورتى المرسومة فى سوادها إثر سقوط دمعتها على قلبى المحترق كقطعة شواء …
فانتفضت وشهقت كطفل وليد انقطع حبله السرى من رحم أمه
لم تعط الفرصة للسؤال
لكن حاجتى كانت أسرع فى سؤالها..
وماذا بعد
استدارت للخلف قليلا
وعادت بعينين محدقتين وأنف ممتلئ بأنفاس الغضب
ماذا تريد
لم أتمالك قواى وتحركت قدماى
على عجل نحوها
أريد الحياة
أى حياة…..
بعدما سقطت كل همتنا
فى بحور الصبر
ماذنبى
وقد ولدت يتما
وعشت وحيدا
على محطات الانتظار
أنشد الأمل
وأغزل أبيات الفرح وبداخلى براكين الألم
لم تتكلم …..
نظر إليها
فوجد كل مافيها على وشك الإنفجار
فقد طفح كيله
ولم يعد مايدعو للصمت
نار تتأجج فتلهب الأبدان
وتعصر الروح
حتى شرايين القلب
لم تنجو منها
فبدت كما لو كانت فوق الجلد
حركة الدماء بداخلها تتدافع بصورة سريعة مضطربة
القلب يضطرب بين الضلوع…….
ألست من تركتنى أصارع أمواج
الحنين خلف شواطئ الانكسار
لم أتركك
سافرت من أجلك
وضاعت سنوات عمرى
حتى تساوينا
كما كنت تقولين ….
أننا على خطين غير متوازيبن
نعم قلت هذا
لكننى…
لم أحتمل الإنتظار
كل شئ مضى ولم يعد سوى
جسدين هزيلين بروح واحدة
أتعبها الحنين وأهكلتها السنين…..
وذهاب معظم شعر رأسى
ولم يتبق منه سوى بعض
خصلاته فوق أذنيه وخلفهما
وشارب خف وجف وذبل
وبهت بياضه واصفر مفرقه
أسفل الأنف من أثر التدخين
وأكتاف هزيلة ..
عارية من اللحم
اختبأت تحت ملابسى المهندمة
شكلا وإن بدت غير متناسقة
حتى ملامحها تغيرت
أرنبة أنفها التى كتت أداعبها
بأناملى قد تدلت لأسفل
كعنقود فل ذبل وتدلى من أثر
العطش
ولمعة عينيها… أخفتها الدموع
التى سكنتها ولم ينجو نهديها
المرتفعتان المتخاصمتان من بعضهما بدين مترهلتين ملتصقتين كعجينة الكيك …
أخذت خطوة واحدة للخلف وكأنها قطار يستعد للرحيل
أو رام يسحب سهمه ليقذفه صوب الهدف
ارتعد كل مابداخلى
وودت ألا تتكلم
ثم أقتربت خطوة للأمام
أبادرها الحديث قبل أن ينفلت عنان لسانها فبالرغم من كثرة سنوات الفراق إلا أنها لم تتغير بعد
امرأة عصبية القرار
وحشية الانتظار
نرجسية الانبهار بكل ما فيها
لا تعرف العفو
أو الغفران
صادف زفيرها شهيقى
استعذبته كما كنت فى الماضى
لكنه غير ذى قبل
قلت نداوته ورائحته الممزوجة
برائحة عسل النحل الممزوج بالسمسم
سرعان ما أخرجت زفيرى
لم يسترح صدرى
مدت يدها
مددت يدي
بعدما أخطأت الظن فى معانقة أصابعها لأصابعى
فأبعدتنى ….
وارجعتنى خطوتين
ولاحظت قوة دفعها
وتذكرت حينما كانت فى الماضى
تبعدنى يسارها
وتجذبنى يمناها
وتشدنى بأنفاسها
وأنا مابين
نار الإبتعاد وجنة الاحتضان
وحسرتى على سنوات العمر
الضائعة لأقف متوازيا على
خطها الذى يبدو مستقيما
لكنه جعل كل مابنا أعوج
وصار كعود أعوج ذبل وأصبح
هشيما تذروه الرياح
أغمضت عينيها عن حقيقة أوجاعي ولهفتى فى الإبحار والغوص تحت ذراعيها
واستنكرت عمرى الضائع
عدت للخلف خطوتين
وبصقت أخر أمل
وأدرت ظهرى لسنواتى الضائعة
بعدما مضيت عقودا فى انتظار
الرييع الكاذب أملا فى أن تكسو
أزهاره جسدى العارى من
كل شئ
إلا ندبات الانتظار التى أضاعت سنوات العمر .