بقلم /حمادة الجندي
لقد سطر التاريخ الإسلامي -بداية من صدر الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم- بعضًا من المشكلات الاجتماعية التى قد تصيب المجتمع؛ ليبين لنا كيفية التصدي لها، والوقاية منها؛ حفاظًا على أمن وسلامة المجتمع. وحديثنا اليوم عن النفاق والمنافقين؛ فالنفاق هو إظهار عكس ما تبطن، وإذا ذكر النفاق وجب علينا العودة إلى الوراء لأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان حيث رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، الذي لم يترك مناسبة للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الإسلام إلا واستغلها، فكان على رأس الخائضين في عرضه صلى الله عليه وسلم، وحاول أن يوقع الفتنة بين الأوس والخزرج، وبين الأنصار عامة والمهاجرين، حتى وصل به الأمر أن قال عن النبي قولة فضحه بها القرآن، حيث قال: لئن رجعت إلى المدينة ليخرجن الأعز (يقصد نفسه) منها الأذل (يقصد بها النبي)، ويسمعه زيد ابن الأرقم ويذهب إلى النبي غاضبًا ليخبره، ولكن بعض الصحابة لم يتصوروا أن يصل حقده على النبي هذا المبلغ، فيقولون: يا رسول الله، إنه فتى صغير لعله لم يسمع أو لم يعِ ما يسمع، ولكن سمعه من لا يغفل ولا ينام، فيذهب الصبي إلى بيته حزينًا، حتى ينزل الوحي على نبيه، ليخبر عن صدق حديثه، ويذهب النبي إلى الغلام مهنئًا إياه ومبلغًا أن الله قد أيد سمعه من فوق سبع سماوات، ليخرج الغلام فرحًا مسرورًا .
وهنا كان على النبي مواجهة هذا المنافق الذي أنكر، مدعيًّا الصلاح والتقوى، ويخرج ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول -وكان من خيار الصحابة- ليمنعه من دخول المدينة إلا أن يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، ولن يدخل إلا ذليلًا منكسرًا لأن النبي هو الأعز، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل والقدوة ويصفح عنه، ويطلب الابن الصالح من النبي أن إذا أمر الله بقتل أبيه ألا يدع أحدًا غيره من الصحابة ليقتله، حتى لا يريد من أخيه شيئًا حين يقتل أباه، ولكن النبي المعلم والأسوة الحسنة يرد قائلًا: حتى لا يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه، وتأتي لحظة وفاته فيطلب الابن من النبي عباءته ليكفن بها أباه؛ عله ينجو من عقاب الله فيعطيها إياه، بل وعندما طلب منه أن يستغفر له لم يرفض، حتى نزل قوله تعالى:
{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}
ويرد النبي: والله لو أعلم أني إن زدت عن السبعين سيغفر الله لهم لزدت، فيقول تعالى:
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.
وكانت هذه الآية من الآيات التي وافق فيها الوحي رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه طلب من النبي عدم الصلاة عليهم أو الدعاء لهم. بعدها يكتب النبي قائمة بأسماء المنافقين ويعطيها لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ويطلب منه بألا يخبر بها أحدًا حتى وفاته، وألا يصلي على هؤلاء، ولكن عمر بن الخطاب الذي كان حريصًا ألا يكون منهم يستحلف حذيفة بالله أن يخبره أمنهم هو أم لا؟ فيرفض أن يخبره بادئ الأمر، إلا أنه رق لحاله وأخبره أنه ليس منهم، وقال: والله لا أقولها لأحد بعدك يا عمر.
لهذا كانت صفة النفاق ذميمة في كل الأزمان، فقد سلبت أوطانًا، وأحدثت فتنًا، وكانت سببًا في حروب وقتال، أعاذنا الله وإياكم منها، ومن سائر الصفات السيئة، ورزقنا لقاءه على طاعة.