شفافية التعبير عمود الحريات في الدول العربية
كتبت: أميرة عبد الصبور
لا يمكن الوصول إلى مجتمع ليبرالي حقيقي عبر ديمقراطية توفر وسائط واضحة وشفافة لتداول السلطة بغير ضمان حرية التعبير، فحرية التعبير هي عمود الحريات ولا يمكن لمجتمع أي كانت أهدافه أن يتقدم لبلوغها بغير ضمان تلك الحرية وصيانتها.
وأن حرية التعبير لا يمكن أن تصان بغير ضمان إعلام مستقل وحر، فهو مستقل بمعنى أنه لا سلطان عليه لغير ضميره وواجبات و أصول مهنته، وحر بمعنى عدم خضوعه لقيود قانونية ترهقه وتجعل من العمل في ميدانه مخاطرة يحسب حسابها كل صاحب فكرٍ ورأي.
حيث أن ضمان حرية الإعلام لا تكون فقط بإعتاقه من القيود القانونية المرهقة، ولكنها تكون أيضا بضمان أعلى درجة ممكنة من المهنية و الاحتراف بين العاملين فيه والقائمين عليه، فالإعلام في العصر الحاضر يكاد أن يكون صناعة قائمة بذاتها، وهي صناعة تتطلب من محترفيها درجة عالية من الوعي بحقوقهم واحتياجات مهنتهم، ومعرفة واسعة بثقافات ولغات متعددة، ومختلفة، وإمكانيات أخرى تعين على فهم واستخدام التطورات التقنية الحديثة في مجال تبادل المعلومات.
ويهدف هذا التقرير إلى تمهبيد الطريق أمام الراغبين في العمل لدعم قدرات الإعلام العربي، والمساهمة في إنهاضه وتحريره من القيود الثقيلة التي يرزح تحتها، بتقديم واقع الإعلاميين العرب في ست دول عربية هي البحرين، اليمن، لبنان، الأردن، مصر،والمغرب، فضلاً عن وضع استراتيجية طويلة المدى لتنسيق وترتيب تدريب على أعلى مستوى، ولتقديم الحماية والدعم القانوني للإعلام المستقل.
السلطة وتاثيرها علي الاعلام
وقد مثلت فترة الستينيات والسبعينيات (1965-1975 (مرحلة حاسمة في “تطور مؤسسات الدولة التسلطية وتبلورها في جميع البلدان العربية” عبر العديد من الأطر التشريعية 7 -آليات الاستبداد وإعادة إنتاجه في الواقـع العربـي .
والإجراءات التي سمحت للدولة بالتوسع والتدخل بشكل واسع النطاق في الاقتصاد والمجتمع عبر تأميم مصادر الثروة ومراحل العمليات الإنتاجية بالكامل، والتوسع في بناء قطاع اقتصادي مملوك بالكامل للدولة أو تسيطر علية بشدة ونتيجة لذلك فإن الدولة قد أصبحت هي المسئولة والمتحكمة في الوقت نفسه عن توفير فرص العمل للمواطنين الأمر الذي جعلها تتحكم في دخولهم.
كما أصبحت الدولة المسئولة عن عملية إنتاج الثقافة داخل المجتمع الأمر الذي جعلها تتحكم في تشكيل الوعي المجتمعي، وللدلالة على مدى تسلطية الدولة يشير بعض الباحثين إلى أن قبضة الدولة امتدت إلى تحديد أرزاق الناس وماذا يأكلون ويشربون، حيث أصبحت المواجهة بين الدولة والمواطنين مواجهة معيشية يومية متصلة.
الحكم والرأي
وغير متكافئة وأيًا ما كان وكان الرأي في تلك الإجراءات فإنه من المؤكد أن توسع دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع، وما اقترن به من تحسن في مستوى المعيشة لدى بعض الفئات، وتطوير البنية التحتية، والتوسع في مجالات التعليم والرعاية الصحية، وإدخال بعض المشروعات الصناعية، كل ذلك لم يقترن بتحسين أساليب الحكم، ولم يصحبها تطور نحو الديمقراطية.
على العكس من ذلك فقد اقترنت بإجراءات ضد الديمقراطية، من أهمها تعطيل العمل بالدساتير وإلغاؤها والحكم لمدد طويلة دون برلمان وبقوانين مؤقتة أو قرارات بقوانين تصدرها السلطات التنفيذية، وحالات طوارئ تمتد إلى أكثر من خمسة وعشرين عاماً في بعض البلدان، وإلغاء أو الحد من نشاط الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، والجمعيات، وتأميم وسائل الإعلام، وقمع حريات التعبير.
إننا في هذا الإطار إزاء دولة لا تثق في المجتمع، ومجتمع لا يثق في الدولة، وحتى في الحالات التي تعترف فيها الدولة بأهمية مؤسسات المجتمع المدني، فإنها تبادر بوضع القوانين والقيود القانونية والإدارية وما يمكنها من مراقبة حركة هذه المؤسسات والحد من نشاطها.
الحصانة واحتكار السلطة
ولقد أدى تشدد الدولة إزاء المجتمع المدني إلى خسارة الطرفين, فالفرد لم تتوفر له “الحصانة” التي تقيه ضد سطوة الدولة، كذلك الدولة لم تتوفر لها الحصانة ضد الاضطرابات الاجتماعية العنيفة، وبالتالي لم تتوفر في “البيئة العربية خاصية إدارة الصراع الاجتماعي بصورة سلمية منظمة” .
وإجمالاً يمكن وصف المجتمع العربي في تلك المرحلة بأنه يعيش حالة من حالات الجمود السياسي من أهم مظاهرها، احتكار للسلطة وعدم قدرة على تجديد النخب الحاكمة مع إقصاء القوى الاجتماعية والسياسية ذات التوجهات المغايرة، أو محاولة التأثير عليها سلباً، وعلى ذلك يغدو من المنطقي عدم وجود إمكانية لممارسة حقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يسود المناخ العام حالة من الانسداد والتضييق على الحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير وفي الإطار العام.
التسوية السلمية وهامش الحريات
فقد كانت أزمة السبعينيات وما بعدها في الدول العربية لحظة فارقة في تاريخ النظم السياسية العربية، فتحت وطأة الركود الاقتصادي، وفشل الخطط التنموية، وافتقاد المؤسسات للفاعلية، والفساد الإداري، وتفاقم الأزمة المجتمعية بوجه عام، اضطرت النظم العربية لاتخاذ خطوات” لتصحيح الاقتصادي” في إطار مواكبتها “للسياسات الليبرالية الجديدة وقد جاء ذلك تحت “وهم “أن فتح المجال أمام اقتصاد السوق، وإطلاق المبادرة الفردية، ومجاراة تطور الاقتصاديات العالمية، هي خطوات كافية لإخراج الدول العربية من أزمتها.
وفي سياق هذه الترتيبات، جاءت مساحة الانفتاح السياسي محدودة وهامشية وغامضة، وتراوحت بين إتاحة تعددية حزبية مقيدة “مصر 1976– تونس 1989 –الأردن 1992″ والسماح بهامش محدود لحريات التعبير وبعض صيغ المجتمع المدني، بالإضافة إلى تغير المناخ الحقوقي للسماح للقطاع الخاص بدور مؤثر في العملية الإنتاجية في ضوء هذه الترتيبات، تحدث البعض عن تحقيق” تسوية سلمية” بين النظم والشعوب بما يتضمن إنهاء عصر الاستبداد.
وفي هذا الاطار يعقد ملتقي اريج السابع عشر تحت عنوان “صحافة بلا قيود” من 6-8 ديسمبر في دولة الاردن .