الدكتور ناصر الجندى يكتب :قصة قصيرة بعنوان “لعنة الطمع”

بقلم الدكتور ناصر الجندي
في مدينة هادئة، كانت “مدرسة الأمل” صرحًا تعليميًا مشهودًا له بالكفاءة، حتى تسلّمت إدارتها إيمان الحمزاوي، امرأة قوية المظهر، لكنها تحمل في داخلها طمعًا كالجحيم. إلى جانبها كان جمال المندراوي، وكيل المدرسة، رجل يتقن ارتداء قناع الاحترام، بينما يبيع ضميره لمن يدفع أكثر.
إيمان لم ترَ التعليم رسالة، بل وسيلة للنفوذ. كانت تحلم بسيطرة مطلقة، لكن زوجها ياسر الخطيب، وهو مدرس قديم يتمتع بمحبة الجميع، كان حجر العثرة أمامها. حاولت إبعاده عن طريقها، لكنه لم يكن ساذجًا، فكان يقف سدًا منيعًا أمام فسادها.
الجريمة
عندما أدركت إيمان أن بقاء ياسر يعني فشل مخططاتها، لجأت إلى جمال، شريكها في الظلام. بذكاء الشياطين، نسجا خطة محكمة، ووضعا السم في شرابه ذات ليلة باردة. مات ياسر، وتحوّل خبر وفاته إلى مجرد نعي في الإذاعة المدرسية، دون أن يدرك أحد أن الجريمة تمت على يد أقرب الناس إليه.
بعد موته، تغيّرت المدرسة. المعلمون أُجبروا على دفع “إتاوات” مقابل الاحتفاظ بوظائفهم. التعيينات أصبحت تباع للمقربين، والمناقصات الخاصة بالمدرسة تذهب إلى شركات وهمية يديرها أصدقاء جمال. الطلاب؟ لم يكونوا سوى بيادق في لعبة المال والسلطة.
ظهور العدالة
لكن الطغيان لا يدوم. في يوم مشؤوم لإيمان وجمال، صدر قرار بتعيين شريف المنصوري مديرًا عامًا جديدًا للإدارة التعليمية. رجل اشتهر بصرامته، يحمل ماضيًا نقيًا كالماء، ويؤمن أن الفساد لا يُجابه بالكلمات، بل بالأفعال.
جاء شريف إلى المدرسة في زيارة مفاجئة. لاحظ كيف يتهامس المعلمون بخوف، كيف ينظر الطلاب إلى الأرض، وكيف يتهرّب جمال من الإجابة على أسئلته. لم يحتج إلى كثير من الوقت ليدرك أن المكان موبوء بالفساد. بدأ التحقيق، ونبش في الملفات القديمة، حتى اكتشف أشياء صادمة:
تحويلات مالية ضخمة لحساب إيمان.
عقود مزورة لشركات يديرها جمال.
والأخطر، شكوك حول وفاة ياسر، التي لم يكن لها تفسير طبي واضح.
السقوط
عندما واجه شريف إيمان بالحقيقة، حاولت أن تضحك بثقة:
— “اتهاماتك فارغة، نحن ندير المدرسة بأفضل صورة!”
لكن شريف لم يأتِ ليجادل، بل جاء بالأدلة. عندما رأى جمال أن الحبل يضيق حول رقبته، انهار، واعترف بكل شيء، حتى بتفاصيل قتل ياسر.
في اليوم التالي، تم القبض على إيمان وجمال أمام الجميع. كان المشهد أشبه بسقوط إمبراطورية شر. بينما كانا يُساقان إلى سيارة الشرطة، وقف شريف أمام المعلمين والطلاب، وقال بحزم:
— “حين يحكم الطمع، ينتهي الأمر بالخيانة، ولكن للعدل صبر أطول من الظلم.”
وهكذا، استعادت “مدرسة الأمل” اسمها من جديد، بعد أن كاد يتحول إلى كابوس لا يُنسى.