الرئيسيةمقال

الدكتور ناصر الجندى يكتب عن كرامات الأولياء: أسرار و دلائل و بركات (٢)

الولاية والكرامة: شروط الولاية وأسباب الكرامات

بقلم الدكتور ناصر الجندي

هل الولاية مجرد لقب؟ وهل كل ولي له كرامة؟
كم مرة سمعنا عن أشخاص يُقال إنهم “أولياء الله الصالحون”؟ وكم مرة سمعنا عن كرامات عجيبة نسبت إلى هؤلاء الأولياء؟ أحدهم يمشي على الماء، وآخر يطير في السماء، وثالث يُرزق بطعام من الغيب!
لكن بين التصديق المطلق والتشكيك الحاد، يقف الكثيرون متسائلين:
* من هو الولي حقًا؟ هل هو شخص خارق للطبيعة، أم أنه إنسان عادي لكن له سرٌّ في علاقته بالله؟
* وهل كل من ظهرت له كرامة هو ولي من أولياء الله؟ أم أن هناك فرقًا بين الكرامة والولاية؟
* لماذا يمنح الله بعض عباده الكرامات بينما لا تظهر للبعض الآخر؟
في هذا المقال، سنحاول كشف أسرار الولاية والكرامة، وفهم المعايير الحقيقية التي تجعل الإنسان وليًا، ومعرفة الأسباب التي تجعل الله يمنح بعض عباده قدرات خارقة للعادة.

أولًا: من هو الولي في الإسلام؟
1. تعريف الولاية في القرآن الكريم
الولاية ليست لقبًا دنيويًا، ولا ميراثًا يتوارثه الأبناء عن الآباء، ولا حتى حالة روحانية يكتسبها الإنسان من العزلة والعبادة فقط. الولاية مرتبة إيمانية عظيمة يختص بها الله بعض عباده، وهي ليست محصورة في أشخاص معينين أو في زمن معين.
وقد حدّد القرآن الكريم صفات الأولياء بوضوح في قوله تعالى:
> “أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” (يونس: 62-63).
إذًا، الأولياء هم:
1. أصحاب الإيمان الحقيقي، وليس مجرد الإيمان الظاهري.
2. الذين يعيشون في تقوى دائمة، فلا تغرّهم الدنيا، ولا تلهيهم الشهوات، ولا يبتعدون عن الله لحظة.
2. هل الولاية تعني العصمة من الخطأ؟
يخطئ البعض حين يظنون أن الولي شخص لا يخطئ أبدًا، ولا يذنب أبدًا، وأنه معصوم مثل الأنبياء!
لكن الحقيقة أن الأولياء ليسوا معصومين، بل هم بشر مثلنا، قد يخطئون أحيانًا، لكنهم يسارعون إلى التوبة والاستغفار، ولا يتمادون في الذنوب.

ثانيًا: كيف يصبح الإنسان وليًا؟ شروط الولاية
الوصول إلى مقام الولاية ليس بالأمر السهل، لكنه ممكن لكل مؤمن صادق يسعى للقرب من الله بإخلاص. وهناك شروط واضحة حددها العلماء لكي يكون الإنسان وليًا:
1. الإيمان الصادق والعميق
الإيمان ليس مجرد كلمات تُقال، بل علاقة قلبية حقيقية بين العبد وربه. الولي لا يكون إيمانه سطحيًا، بل يعيش في قلبه حب الله، ويشعر بوجوده في كل لحظة.
2. التقوى والورع عن المحرمات
التقوى هي أن يحرص الإنسان على طاعة الله، ويتجنب المعاصي، حتى ولو كانت صغيرة. الولي لا يقترب من الحرام، ولا يتهاون في أوامر الله، حتى في أبسط الأمور.
3. الإخلاص التام لله
من أخطر ما يفسد الأعمال حب الشهرة والتفاخر. الولي لا يسعى ليكون مشهورًا، ولا يهتم بما يقوله الناس عنه، بل هدفه الوحيد هو إرضاء الله وحده.
4. كثرة العبادة والعمل الصالح
لا يمكن أن يكون الولي إنسانًا عاديًا في عبادته، بل هو دائم الذكر، مواظب على الصلوات، محبٌّ للقرآن، سخيٌّ في الصدقات، كثير الصيام والدعاء.
5. الصبر والرضا بالقضاء
الحياة ليست دائمًا وردية، والولي يُختبر مثل غيره، لكنه يختلف عن الآخرين في طريقة تعامله مع المصائب. فهو لا يجزع، ولا يعترض على قضاء الله، بل يصبر ويرضى ويقول دائمًا: الحمد لله.

ثالثًا: لماذا يمنح الله الكرامات لبعض الأولياء؟
إذا كانت الولاية تتحقق بالإيمان والتقوى، فلماذا يمنح الله الكرامات للبعض دون الآخرين؟ ولماذا لا تظهر كرامات واضحة لكل الأولياء؟
هناك أسباب متعددة لحصول الكرامة، منها:
1. تكريمًا للولي وتشجيعًا له
أحيانًا يكون الولي في مرحلة من حياته يحتاج فيها إلى إشارة إلهية تطمئنه بأنه على الطريق الصحيح، فيحدث له شيء خارق للعادة يزيده يقينًا وإيمانًا.
2. نصرة للحق وإثبات الإيمان
بعض الكرامات تحدث في أوقات يحتاج فيها الناس إلى دليل قوي على وجود الله وقدرته.
مثلما حدث لعمر بن الخطاب عندما نادى “يا سارية، الجبل!” من المدينة، فسمعها قائد الجيش في العراق، مما أنقذ المسلمين من الهزيمة!
3. حماية لعباد الله الصالحين
قد تحدث الكرامة لحماية الولي نفسه أو غيره من خطر معين، كأن يُنجيه الله من حادث محقق بطريقة لا تفسير لها.
4. هداية للناس وتقوية إيمانهم
بعض الكرامات تكون رسالة للناس كي يزيدوا إيمانهم، لكنها ليست وسيلة للعرض والاستعراض! فالولي الحقيقي لا يسعى لإظهار كراماته، بل يحرص على أن يكون متواضعًا وخفيًّا.

رابعًا: كيف نميز بين الكرامة الحقيقية والخرافة؟
مع مرور الزمن، انتشرت الكثير من القصص التي تدّعي أنها كرامات، لكن بعضها ليس أكثر من خرافات أو مبالغات! فكيف نفرّق بين الحقيقة والأسطورة؟
1. لا يمكن أن تخالف الكرامة الشريعة
إذا سمعت عن شخص يزعم أن له كرامة تخالف تعاليم الإسلام، كأن يقول إنه يعلم الغيب، أو أن الصلاة لم تعد واجبة عليه، فاعلم أنه دجّال وليس وليًا.
2. الكرامة ليست سحرًا ولا شعوذة
بعض الدجالين يستخدمون السحر والخدع لخداع الناس، ويزعمون أن لديهم كرامات. لكن الكرامة الحقيقية لا تحتاج إلى أدوات، ولا تُباع ولا تُشترى!
3. الأولياء الحقيقيون لا يتفاخرون بكراماتهم
الولي لا يسعى إلى جذب الأتباع ولا إلى جمع الأموال من وراء كراماته، بل يكون متواضعًا، يخاف الله، ويعيش حياة بسيطة.

الولاية ليست حلمًا مستحيلًا!
قد يظن البعض أن الولاية مقام لا يمكن الوصول إليه إلا لقلة مختارة من البشر، لكنها في الحقيقة باب مفتوح لكل من أراد القرب من الله بصدق.
أما الكرامات، فهي ليست مقياسًا للولاية، ولا دليلًا على التفوق الروحي، بل هي مجرد هبة من الله لبعض عباده لحكمة معينة.
في المقال القادم، سنتحدث عن موضوع شيّق: “كرامات الأولياء في القرآن والسنة: دلائل وشواهد”، حيث سنستعرض أمثلة موثوقة من مصادر الإسلام الأصيلة. انتظرونا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى