الرئيسيةمقال

كرامات الأولياء: أسرار، دلائل، و بركات (١٠) كرامات الإمام البدوي: شيخ العرب وصاحب الأسرار

بقلم الدكتور ناصر الجندي

الرحلة من المغرب إلى مصر – بحثًا عن النور

الإمام أحمد البدوي، أحد أعظم الأولياء الصالحين، وصاحب الطريقة البدوية، لم يكن مجرد رجل زهد وعبادة، بل كان قطبًا روحيًا غامضًا، تحيط به الأسرار، وتشع منه أنوار الولاية. لكنه لم يولد في مصر، بل قادته رحلة طويلة من المغرب إلى مكة، ثم إلى طنطا، حيث تحقق له مقامه العظيم.
وُلد الإمام البدوي عام 596هـ (1200م) في مدينة فاس المغربية، في أسرة اشتهرت بالعلم والتقوى. منذ طفولته، كانت ملامح النور والإشراق بادية عليه، وكان ينجذب إلى العزلة والتأمل، كأنه يبحث عن سرٍّ دفينٍ لا يعرفه بعد.
عندما بلغ سن الشباب، هاجرت أسرته إلى مكة المكرمة، وهناك بدأ رحلة التحصيل العلمي والروحاني. درس العلوم الشرعية، لكنه لم يكن كغيره من الطلاب، فقد كان ميّالًا للعبادة الطويلة، والذكر المستمر، والتأمل العميق.
لكن حياته تغيرت عندما رأى النبي ﷺ في المنام، يأمره بالسفر إلى مصر. لم يكن يعلم لماذا، لكنه أيقن أن في هذه الرحلة سرًا مقدّرًا له. ودّع مكة، واتجه إلى العراق، حيث زار مراقد الأولياء، واجتمع بالعارفين، واكتسب من روحانيتهم.
وأخيرًا، وصل إلى مصر، ولم يختر القاهرة أو الإسكندرية، بل قصد مدينة طنطا، المدينة التي لم تكن آنذاك مركزًا روحيًا معروفًا، لكنها كانت أرضًا خصبة لنور الولاية، حيث سيصبح فيها إمامًا للمحبين، وقطبًا للأرواح التائقة إلى الله.

ثانيًا: خلوته العجيبة – سبع سنوات على السطح
ما إن وصل الإمام البدوي إلى طنطا، حتى اتخذ قرارًا غريبًا. بدلاً من نشر علمه مباشرة أو مخالطة الناس، صعد إلى سطح منزله، ودخل في خلوة روحية استمرت سبع سنوات.
خلال هذه الفترة، لم يكن يتحدث مع أحد، ولم يكن يأكل إلا القليل، بل كان مستغرقًا في الذكر، والصلاة، والمجاهدة الروحية. كانت أنواره تتزايد، وقلبه يمتلئ بالأسرار الإلهية، حتى صار كل من يقترب منه يشعر بطاقة روحية هائلة.
عندما انتهت خلوته، لم يكن الرجل العادي الذي دخلها، بل خرج منها رجلٌ مملوءٌ بالأنوار، صاحب نظرة تخترق القلوب، وكلمات توقظ الأرواح. ومنذ ذلك الحين، بدأت كراماته العجيبة تظهر للناس.

ثالثًا: كرامات الإمام البدوي

1. نظراته التي تهز القلوب
كان الإمام البدوي ذا نظرة حادة غامضة، إذا وقعت على شخص غيّرته إلى الأبد. يُروى أن رجلًا غارقًا في الذنوب جاء إليه، فنظر إليه الإمام، فسقط مغشيًا عليه. وعندما استيقظ، تحول إلى رجلٍ زاهدٍ لا يفارق الذكر، وكان يقول:
“احذروا نظراته، فهي تحرق القلوب!”

2. شفاء المرضى بالدعاء
كان الناس يأتون إليه من كل مكان طلبًا للشفاء. ذات يوم، جاءت امرأة تحمل طفلها الأعمى، فأخذ الإمام الطفل، ومسح على عينيه، ثم قال:
“يا نور النور، أظهر له النور”.
ففتح الطفل عينيه، وصاح:
“أرى! أرى!”
انتشرت القصة في كل أرجاء مصر، وصار الناس يتوافدون عليه طلبًا للبركة.

3. الاختفاء عن أعين الظالمين
حاول أحد الحكام الظالمين القبض عليه بسبب شعبيته الكبيرة، فأرسل جنوده إلى منزله، لكنهم لم يجدوه رغم أنه كان في الداخل. كانوا يقسمون أنهم رأوه يدخل، لكن عندما دخلوا، كان المكان فارغًا تمامًا.
تعجب الجنود، وقال أحدهم:
“هذا رجلٌ تحجبه أنوار الله عن أعيننا”.

4. الأسد الذي صار وديعًا
في أحد الأيام، كان الإمام يسير في الصحراء، فاعترضه أسدٌ جائع. لم يخَف الإمام، بل قال بهدوء:
“اهدأ يا مخلوق الله”.
فجلس الأسد خاضعًا أمامه، كأنه قطة وديعة، ثم تبعه إلى المدينة، حيث بقي يمشي خلفه حتى دخل الإمام منزله، ثم عاد الأسد إلى الصحراء.

5. كشف الأسرار بعلم لدني
كان الإمام البدوي يعرف أمورًا لم يخبره بها أحد. جاءه رجل غريب، وقبل أن يتحدث، قال له الإمام:
“ارجع المال الذي أخذته من أخيك، فإنه ليس لك”.
اندهش الرجل، وسقط على قدمي الإمام، وقال:
“والله، لم يعلم أحد بهذا الأمر إلا أنا وأخي، فكيف كشفته؟!”
فقال الإمام:
“إذا صفا القلب، رأى بنور الله”.

رابعًا: طريقته في التربية الصوفية
لم يكن الإمام البدوي مجرد صاحب كرامات، بل كان مربّيًا عظيمًا، ومرشدًا روحانيًا قويًا. وضع أسس طريقته التي تقوم على:
1. الذكر الدائم: خاصة “الله، الله”، حتى تمتلئ القلوب بالنور.
2. الإخلاص والصدق: كان يقول: “لا تعبدوا الله لأجل الدنيا، بل اعبدوه لأجله”.
3. نصرة المظلومين: كان يدافع عن الفقراء، ويساعد المحتاجين، وينصر المستضعفين.

خامسًا: الإرث الذي لا يموت
بعد وفاته، ظل ضريحه في طنطا مقصدًا للمحبين، وصار له أتباع بالملايين، واحتفالات سنوية تستقطب آلاف المريدين.
لقد كان الإمام البدوي نورًا سماويًا، حمل سرًّا إلهيًا، ونشر الحب والخير أينما حل. إنه شيخ العرب، وصاحب الأسرار، والولي الذي لا تنطفئ بركته أبدًا.

الرحلة القادمة: كرامات الإمام محي الدين بن عربي – الشيخ الأكبر وكرامات العارفين
في المقال القادم، سننتقل إلى عالم آخر من العرفان والكرامة، مع الإمام محي الدين بن عربي، الرجل الذي مزج بين الفلسفة الروحية والتصوف العميق، وصاغ كلماتٍ لا تزال تهز القلوب حتى اليوم. كيف كانت كراماته؟ وما سر لقبه بـ “الشيخ الأكبر”؟ *انتظروا مقالًا يأخذكم إلى *أعماق العرفان النقي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى