الرئيسيةمقال

كرامات الأولياء: أسرار، دلائل، وبركات (١٦) قصص كرامات الأولياء في مواجهة الظلم والشدائد: دروس وعبر

بقلم الدكتور ناصر الجندي

في تاريخ الأمة الإسلامية، هناك رجال ونساء وقفوا في وجه الطغاة، لم يكن لديهم جيوش ولا سلاح، لكنهم حملوا بين جوانحهم إيمانًا راسخًا، وثقةً مطلقة بالله. وعندما ضاقت بهم الدنيا، فتحت لهم السماء أبوابًا من المعجزات، فكانت كراماتهم كأنها آيات تنير الطريق وتؤكد أن الله لا يخذل أولياءه.
هذا المقال ليس مجرد استعراض لقصص خارقة، بل هو درس في أن الحق أقوى من الظلم، وأن الإيمان الصادق قد يكون درعًا يحمي صاحبه من أقسى الابتلاءات. سنبحر معًا في هذه القصص، ونستخرج منها العبر، لنفهم كيف يُكرم الله أولياءه في أحلك اللحظات.

1. الإمام أحمد بن حنبل: رجلٌ صمد أمام الجلادين
كانت محنة الإمام أحمد بن حنبل واحدة من أصعب الفتن التي مرت بعالم مسلم. عندما حاول الخليفة المأمون إجبار العلماء على القول بأن “القرآن مخلوق”، رفض الإمام أحمد بشدة، فتعرض للسجن والجلد بالسياط حتى كاد جسده يتمزق.
لكن العجيب أن جسده لم ينهار رغم قسوة العذاب، وكأن قوة خفية تحمله! كان الجلادون يتعبون من ضربه، بينما هو ثابت كالجبل، يردد بصوت خافت: “اللهم أعني على هذا البلاء.” بعد فترة، قرر الخليفة المتوكل الإفراج عنه وتكريمه، وانتصر الإمام رغم الألم.
الدرس: الصبر على الحق يجعل الإنسان أقوى من أعتى الطغاة، والله لا يترك عباده الصالحين.

2. الإمام الحسين في كربلاء: دم لا يجف
وقف الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه في وجه جيشٍ يزيدي ضخم، لم يكن معه إلا القلة، لكن معه كرامة لا يعرفها الظالمون.
بعد استشهاده، رُوي أن جسده الطاهر لم يفسد رغم مرور الأيام، وأن المكان الذي دفن فيه أضاء بنور لا ينطفئ. هذه ليست مجرد قصة حزينة، بل رسالة خالدة بأن الظلم لا يدوم، وأن الشهادة أعظم انتصار للحق.
الدرس: الموت ليس النهاية، بل البداية لحياة خالدة يخلد فيها ذكر الأبطال.

3. السيدة زينب: الكلمة التي أرعبت يزيد
بعد مذبحة كربلاء، أُخذت السيدة زينب أسيرة إلى قصر يزيد، وكان المتوقع أن تنهار أمام جبروته، لكنها وقفت بكل ثقة وقالت كلمتها المشهورة:
“فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا!”
قيل إن يزيد اضطرب من قوتها، وكأن هناك حاجزًا خفيًا يمنعه من البطش بها. كانت تقف كأنها ملكة وسط الأسر، ولم يستطع أحد إسكاتها.
الدرس: أحيانًا، تكون الكلمة الصادقة أقوى من ألف سيف.

4. الحسن البصري: اختفاء أمام أعين الجنود
كان الحسن البصري من أشد المعارضين للحجاج بن يوسف الثقفي، فأمر الحجاج بقتله.
لكن عندما دخل الجنود إلى المسجد حيث كان الحسن يصلي، لم يروه! مروا بجواره ولم يلاحظوا وجوده، وكأن الله جعله غير مرئي لهم. عادوا وأخبروا الحجاج أنهم لم يجدوه، رغم أنهم كانوا أمامه مباشرة!
الدرس: الله قادر على حماية أوليائه بطرق تفوق الخيال.

5. الإمام الشافعي: دعاء قلب الأقدار
وُشي بالإمام الشافعي عند أحد الحكّام، وكاد يُقتل ظلمًا، لكنه رفع يديه إلى السماء ودعا الله بقلب مخلص.
فجأة، وبدون أي تفسير منطقي، تراجع الحاكم عن قراره، وأطلق سراحه، بل وأكرمه! وكأن هناك قوة خفية جعلت الحاكم عاجزًا عن إيذائه.
الدرس: الدعاء قد يكون أقوى من أقوى الأسلحة.

6. الإمام محيي الدين بن عربي: كشف المستور أمام السلطان
عندما حاول أحد السلاطين قتل محيي الدين بن عربي بسبب مؤامرة ضده، أصرّ الشيخ على المثول أمامه. وعندما وقف أمام السلطان، أخبره بأمور لم يكن يعرفها إلا المقربون منه!
ذهل السلطان، وسقط في حيرة، ثم أمر بإطلاق سراحه، قائلاً: “هذا رجل لا يمكن أن يكون كاذبًا، لأن الله كشف له ما لا يُكشف!”
الدرس: الله ينصر أولياءه ولو كانت كل الأدلة ضدهم.

7. السيدة نفيسة: الكرامة التي أبكت الخليفة
عندما حاول الخليفة العباسي التضييق على السيدة نفيسة، ذهب إليها بنفسه ليهددها، لكنه وجدها تصلي وتبكي، وعندما رفعت يديها بالدعاء، شعر بوخزة في قلبه، وكأن الله أرسل له تحذيرًا.
خرج من عندها مذهولًا، وأمر برفع الظلم عنها، قائلاً: “لا أريد أن يغضب الله عليّ بسبب هذه المرأة الصالحة!”
الدرس: الأولياء لا يحتاجون إلى قوة، فدعاؤهم وحده يكفي لقلب الأمور رأسًا على عقب.

8. الشيخ عبد القادر الجيلاني: حماية إلهية من قطاع الطرق
كان الشيخ عبد القادر الجيلاني في صباه مسافرًا مع قافلة تجارية، فاعترضهم اللصوص. بينما كان الجميع يخفون أموالهم، وقف الشيخ وقال للصوص بصراحة: “معي أربعون دينارًا مخبأة في حزامي.”
تعجب زعيم اللصوص وسأله: “لماذا أخبرتنا؟” فقال: “أمي علمتني ألا أكذب.”
فبكى زعيم اللصوص، وأمر بإرجاع المال لكل المسافرين، وأعلن توبته!
الدرس: الصدق قد يكون أعظم سلاح ضد الظلم.

9. الشيخ الشعراوي: هلاك ظالم بعد دعائه
حاول أحد الطغاة التضييق على الشيخ الشعراوي، فرفع يده إلى السماء وقال: “اللهم اشغله بنفسه.”
وبعد فترة قصيرة، أصيب الظالم بمرض عضال، وانشغل بنفسه عن ظلم الناس!
الدرس: دعوة الصالحين تصعد بسرعة إلى السماء.

10. سيدي البدوي: إنقاذ امرأة من الظلم
كانت هناك امرأة مظلومة اتُهمت ظلمًا بجريمة لم ترتكبها، فجاءت تبكي عند ضريح سيدي أحمد البدوي. وفي الليل، رأى القاضي في المنام الشيخ البدوي يأمره بالتحقيق مجددًا.
استيقظ القاضي فزعًا، وعندما أعاد التحقيق، اكتشف الحقيقة وأطلق سراح المرأة!
الدرس: بركة الأولياء تمتد حتى بعد وفاتهم.

هل نحن مستعدون للتعلم؟
هذه القصص ليست مجرد حكايات تُروى، بل هي دروس تُعاش. إننا اليوم نعيش في عالم مليء بالظلم والاضطهاد، وقد نشعر أحيانًا بأننا ضعفاء أمام الطغيان، لكن هذه القصص تقول لنا: “لا تيأسوا، فإن الله مع الصابرين.”
حينما تواجه الظلم، لا تظن أن القوة في يد الطغاة، بل تذكر أن قوة الله فوقهم جميعًا. الكرامات ليست أساطير، بل هي شهادات على أن الحق ينتصر ولو بعد حين.

وفي رحلتنا القادمة، سنخوض في موضوع شائك: “التصوف والكرامات: هل كل متصوف ولي صاحب كرامة؟” هل كل من ادّعى التصوف نال الكرامات؟ أم أن هناك فرقًا بين التصوف الحقيقي والمدّعين؟ سنكشف الحقائق ونفكك الأوهام في مقالنا القادم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى