بقلم ناهض شبات
تاريخ مجيد تسطره مدينة عبر تاريخها العريق المتوجُ بالبطولات فأصبحت رمزاً للصمود والتحدي تتناقله الأجيال من الأجداد إلى الآباء إلى الأحفاد لا تكِلُّ عزائمهم ، وكل يوم تزِفُّ قافلة من أقمارها شهداء إلى الجنة فمن عزالدين القسام مفجر ثورة عام 1936م إبن سوريا البطل الذي استشهد على ثرى أرضها ، وإلى الشيخ المجاهد فرحان السعدي الذي أعدمته سلطات الإحتلال البريطاني عام 1937م ، ومن ثمَّ القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية الشهيد عبدالرحيم الحاج محمد الذي استشهد في عام 1937م ، ولا تزال قوافل الشهداء تترى من جيلٍ إلى جيل من أجل تراب فلسطين الغالي ومن أجل مقدساتها وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف .
فلله درُّكِ من أسطورة عظيمة – لله درُّك من مدينة ترصع كل يوم نياشين الشهادة على صدور أبنائها الذين لا يتوانون عن صد جراذين الصهاينة عنها والذود عن حياضها.
لله درُّكِ يا مدينة الفداء والنضال والشهامة والإباء
لله درك يا مدينة تاريخك خالدٌ يشهد له القاصي والداني على بطولات أبنائك الغُر الميامين .
لله درُّك يا جنين القسام وجنين أبو جندل وأحمد جرار ، ورعد خازم وضياء حمارشة وكل أبطالها الذين أذاقوا الويل للصهاينة ولكل غاصبٍ لأرضها
طوبى لك يا جنين – فالجيم فيكِ جبروتٌ وعزةٌ وكرامة ، والنون نيرانٌ تلَظَّى تحرقُ جراذين الصهاينة ، والياء يُمن وبركة وخير فأرضك أرض الخمائل والحدائق – أرض الزيت والزيتون والتين والزعتر ، ونونك الأخرى هي نورٌ الحق الساطع الذي يضيء سماء فلسطين ، ويُعمي أبصار المتخاذلين والمتآمرين .
جنين يا قطعة من الجِنان ويا دُرة المدن ، ويا أرض الجبابرة الرجال –الرجال
جنين – المخيم الأسطورة الذي لقن الصهاينة درساً بالعزيمة والقوة وانتصار الحق على الباطل في عام 2002م ، الذي لن تهزمه دباباتهم وطائراتهم وكل آلتهم العسكرية ، ولا قتلهم وتدميرهم يفتُّ من عضُد الرجال ، ولم يستطيعوا حينها دخول المخيم إلا بعد أن سووا المخيم بالأرض ودمروا كل بيوته ولم يدخلوا إلا على جُثث الأبطال الذين استشهد أغلبهم ولم يستسلموا ، وكان هدفهم القضاء على المقاومة ، ولكنهم فشلوا بذلك ، فالفلسطيني يخرج من تحت الرماد ليكمل درب النضال ، ومعركة مخيم جنين من أبرز محطات الإنتصار في التاريخ الفلسطيني ، ودشنت نموذجاً للإنتصار على الإحتلال ، فهؤلاء الصهاينة أجبن من أن يجابهوا جبابرة فلسطين ، لأنهم يجابهون رجالاً إشتروا الموت بالحياة فداءً لمقداستهم وأوطانهم مسلحين بالإيمان والإتكال على الله ، قال تعالى في سورة المائدة – الآية 22: { قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }
ولن ننسى أن نذكر أحرار سجن جلبوع الأسرى الأبطال الذين بسواعدهم العارية تنسموا هواء الحُرية وأسقطوا منظومة أمن الإحتلال الهشة .
كل يوم جنين تودع شهداء من خيرة أبنائها فها هو العدو الصهيوني يرتكب مجزرة جديدة يذهب فيها تسعة شهداء من أبنائها بتاريخ 26/1/2023م ، ويظنون بأعمالهم الإجرامية هذه أنهم سيرهبوا هذا الشعب وأن يوقفوا نضاله ، ولكن يأتيهم الرد المزلزل الذي لم يتأخر من القدس ومن أسد هصورٍ من أسودها وهو خيري علقم , الذي له من إسمه نصيب فهو خيرٌ ونصر لأبناء شعبه وعلقمٌ مُرٌّ أذاقه للصهاينة ، ولتعلن القدس : أنك يا جنين لست وحدك ، فالقدس أخت جنين كما غزة ونابلس وبيت لحم وكل مدن الضفة وفلسطين الداخل فكلها جنين.
وتعود جنين ومخيمها الأشم قلعة الصمود في الثالث من تموز عام 2023م في معركة بأس جنين لتُلقن هذا العدو درساً جديداً في النضال والصمود ، فكان صمودهم الأسطوري أربعون ساعةً في وجه آلة الحرب الصهيونية بكل أشكالها ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يحققوا أهدافهم وخرجوا يجرون ورائهم أذيال الخيبة والفشل حققه شباب غُرٍّ ميامين أعمارهم لم تتجاوز الخامسة والعشرين ، وأغلبهم من مواليد عام 2002م الذي شهد ملحمة العزة والكرامة لمخيم أبناء جنين الذي سطروا فيه أروع صور البطولة والملاحم ، وارتقى في هذا المعركة اثني عشر شهيداً عدا عن الجرحى .
فطوبى لكِ يا جنين – جنين التحدي والصمود ، وجنين وحدة الكلمة ووحدة الصف والموقف فلا فرق فيها بين فتحٍ أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية أو أي تنظيم آخر ، فكلهم سواسية أمام آلة الحقد والكراهية الصهيونية الذين لا يعرفون إلا لغة القوة ، فمن جنين نستمد روح الشموخ ونستلهم معاني التضحية والصبر والصمود .
ختاماً أوجه رسالتي إلى أفراد الفصائل الفلسطينية فأقول عليكم بالوحدة ، وتناسوا خلافاتكم ، فهدفكم واحد ومصيركم واحد على اختلاف أيديولوجياتكم ، فبوحدتكم قوة وعزم وإصرار وطريق للنصر والتحرير ، وبتفرقكم خدمة لعدوكم ، وضياع أمركم وتشتتكم ، فكونوا كما قال الشاعر المهلب إبن أبي صُفرة :
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسُراً وإذا افترقن تكسرت أفرادا
قال تعالى في سورة آل عمران – الآية 103 : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ }