كتب فكري الرعدي
بات مؤكداً اليوم أن مئات الملايين من الدولارات التي أنفقتها شركات الطاقة العالمية على شركات العلاقات العامة التي تولت إنتاج وترويج العدد الهائل من المواد الدعائية، بل والدراسات الموجهة في سبيل نفي حقيقة التغير المناخي العالمي، كل تلك المبالغ المهولة قد ذهبت أدراج الرياح بعد أن أصبحت أشكال التغير المناخي واضحة المعالم أمام سكان كوكب الأرض، وباتت كوارثه تتصدر عناوين الأخبار في مختلف وسائل الإعلام في قارات العالم.
لقد استماتت شركات الطاقة العالمية على مدى عقود من الزمن في محاولاتها البائسة الرامية إلى صرف انتباه العالم عن مجمل التحذيرات التي أطلقها العلماء والباحثون المتخصصون بشأن مخاطر التغير المناخي الناتج عن العبث البشري بمكونات البيئة الطبيعية لكوكب الأرض، ولم تكن تلك الاستماتة غريبة على تلك الشركات التي ينصب اهتمامها الرئيس على مراكمة أرباحها المالية دون النظر إلى الكوارث التي يمكن أن تجلبها ممارساتها السلبية إلى حياة كل الكائنات الحية على الكوكب وفي مقدمتها الإنسان.
إن عالم اليوم قد أصبح أكثر تيقناً من ذي قبل بحقائق التغير المناخي العالمي، فقد أكد المتخصصون أن المدهش في الأمر ليس حدوث التغير ذاته، بل حدوث التغير بعشرة أضعاف المتوقع في حسابات الباحثين، ولذلك فإن المناطق الجافة سوف تزداد جفافاً في الوقت الذي ستتضاعف رطوبة المناطق الرطبة، ويصبح الطقس في حالة من عدم الاستقرار، إذ تهطل الأمطار في غير مواعيدها المعتادة وبغزارة شديدة تؤدي إلى فيضانات مدمرة كما حدث بالهند واليابان في الأسابيع الماضية. كما أن نعمة المطر تتحول إلى نقمة كبيرة على البشر عند هطوله على مناطق تتداخل فيها الصحراء بالوديان ولا تملك البنية التحتية اللازمة لتصريف المياه كما في محافظة حضرموت اليمنية التي شهدت فيضانات كبيرة مرات عديدة في العقد الماضي.
لاتعد الفيضانات المهلكة صورة فريدة في معركة التغير المناخي العالمي، إذ لدينا العواصف الثلجية وشهدت الولايات المتحدة الأميركية أواخر العام الماضي أكبر عاصفة ثلجية في العالم أدت إلى شلل الحياة في البلد وحصدت أرواح العديد من البشر.
في العشرة الأيام الماضية بلغت درجة الحرارة مستويات قياسية في مختلف القارات خصوصاً في النصف الشمالي للكرة الأرضية، إذ بلغت 57 درجة مئوية في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية وتجاوزت الأربعين درجة في عاصمة الضباب (لندن) وبلغت الثلاثون درجة مئوية في باريس، ونقلت شاشات التلفزة مشاهد البشر وقد تخففوا من ثيابهم وتسابقوا على رش أجسادهم بالماء إلى درجة قيام أحد مذيعي الأخبار في بلجيكا بصب قنينة الماء على رأسه داخل الأستوديو تعبيراً عن عجزه عن التأقلم مع مستوى الحرارة الذي لم يشهده في حياته من قبل، وسوف يشهد العالم أكبر موجة احترار في الفترة المقبلة بحسب تحذيرات خبراء الأمم المتحدة.
إنه الاحترار الحراري الذي يلقي بتبعاته على مكونات الكوكب الأزرق، فالإرهاق والضيق يعصفان بالجسد البشري، ويفقد مصابو الأمراض المزمنة حياتهم، وتنفق الطيور والكائنات البحرية، وتتآكل الآلات التي تعمل على مدار الساعة، وتندلع الحرائق في الغابات بصورة يصعب السيطرة عليها في كثير من الأوقات.
من المفارقات العجيبة أن دول الجنوب كانت السباقة إلى دعوة العالم لاتخاذ التدابير الكفيلة بمواجهة مخاطر التغير المناخي والاحترار الحراري لكن الولايات المتحدة الأميركية حرصت على امتلاك قصب السبق في مضمار إعاقة جهود الحماية والمعالجة المناخية ولعل القارئ العزيز يتذكر موقف واشنطن من اتفاق كيوتو وغيره من اتفاقيات المناخ، غير أن العالم اليوم يأمل أن تسفر مباحثات الممثل الأميركي للمناخ جون كيري مع القادة الصينيين عن نتائج هامة تفضي إلى إجراءات عملية يجد العالم أثارها سريعاً في حياته اليومية. ولقد كان لجمهورية مصر العربية دورها الفاعل في تلك الجهود الإيجابية باستضافة قمة المناخ العالمية (كوب 27) بشرم الشيخ، والتي تركت أثرها واضحاً في إعلان مجموعة العشرين بالأمس عن عزمها إنفاق ثلاثة ترليونات دولار على معالجة التغير المناخي والتنمية المستدامة.
لقد سعت بعض الدول ذات الموارد الاقتصادية الكبيرة مثل الجزائر إلى التخفيف من وطأة التغير المناخي من خلال تقديم المساعدات المالية إلى ضحايا التقلبات المناخية، غير أن العدد الأعظم من دول العالم خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية لا تملك الموارد اللازمة لمواجهة الكوارث المناخية وهو ما يقتضي التزام الدول الغنية وفي مقدمتها الصناعية الكبرى بتقديم المساعدة العاجلة إلى بقية الدول وفق برامج منظمة ومنتظمة.
ومن واقع المتابعة الميدانية للكاتب فقد كانت الجمهورية اليمنية تتلقى دعماً بسيطاً قدرهُ عشرة ملايين دولار سنوياً في إطار برنامج المناخ العالمي، وشهدت محافظة إب (وسط اليمن) تنفيذ حملات واسعة للتشجير بأرجائها في مرحلة ما قبل أحداث العام 2011 حيث شملت تلك الحملات غرس الجزر الوسطية للشوارع والطرقات في المدن الرئيسية بأشجار الزينة، وزراعة بضعة ملايين من أشجار البن في الريف بديلاً عن شجرة القات، وتعد الأشجار إحدى وسائل مواجهة التغير المناخي من خلال تثبيت التربة وإنتاج المحاصيل الزراعية وخفض مستوى التلوث بزيادة نسبة الأكسجين في البيئة.
إن وسائل مواجهة التغير المناخي والاحترار الحراري كثيرة وموضحة في الدراسات العلمية، غير أن العالم في حاجة ماسة لتغيير نظام عمل العقول التي تقبع داخل رؤوس أولئك النفر الذين يتخذون القرارات التي يصبح التغير المناخي جزء من تداعياتها…. فهل يتذكر هؤلاء إنسانيتهم؟ وهل يتنبهوا إلى أن الكوارث المناخية لن تستثني أحداً؟