البوابة اليوم د: إسماعيل محمد
من الخطأ تَصَوُّر أن واحدًا من الآخرين -زعماء كانوا أو كُتَّابًا أو مفكرين أو قادة- هو هرقل الذي سيقوم بحمل المسؤولية كلها وحده، وأن عليه أن يحمل تبعة المشاكل كلها ويحلها، وأن يكون المسؤول الأوحد حتى عن حل مشاكل الخاصة. فبدلًا من أن يُرسل القارئ خطابه هذا إلى المقصود بكلماته يحاول أن يُحملك أنت (أيها الكاتب) مسؤولية خوفه من أن يخوض التجربة ويتحمل نتائجها، يريد أن يُرضي ضميره على حسابك أنت، ويقول: لقد كتبت إلى فلان وحملته المسؤولية، فكأنه أدى كل ما عليه من واجب، وهذا فهمٌ خطير تمامًا.
إن حلم أن تشرق الشمس فجأة، كاملة وساطعة، حلم الموتی یأسًا وكسلًا وخمودَ همة، فأبدًا لن تشرق الشمس فجأة، فهذه معجزة، ولسنا وما كنا أبدًا في زمن معجزات، إنما تشرق الشمس من صنع الإنسان، ملايين الإنسان، تشرق بشموع يُوقدها كلٌ منا، ومن مجموع هذه الشموع، من ملايينها، يتبدى النهار، ويبدو الطريق، ونسير معًا في النور، وأي شيء سوى هذا التصور لشروق الشمس وظهور النهار هو عبث أطفال وأحلام منتحرين يأسًا وكسلًا وخمود همة، شمس الحياة من صنع الإنسان، ليس الإنسان الواحد، وإنما كل إنسان، والنور نورنا كلنا حين يُساهم كل منا بشمعته، ويجب أن نتعلم أن نكف عن لعن الآخرين لأنهم نجحوا في إضاءة شمعة، وبدلًا من أن نلعن الظلام، ونلعن الشمعة الواحدة الموقدة، نتعلم كيف نُوقد نحن شمعتنا، وباستطاعة كل منا -لو أراد- أن يوقد شمعته، فالشمع المُطفَأ في جيوبنا وحولنا ومعنا، كل ما في الأمر أننا لا نريد أن نُتعب أنفسنا ونحمل مسؤولية الإنارة لغيرنا.
أحب النوايا الواضحة، أخبرني كيف تشعر تجاهي، قم بتوضيح ما تريد، كن منفتحًا، كن صادقًا، كن شفافًا، ليس لدي الوقت لألعب ألعاب التخمين فيما يتعلق بهدف شخص ما تجاهي أو كيف يشعر بشأني، لا تظهر لي الحب وتخفي خلافه، لا أحب العلاقات الملتوية والكلمات المُبطنة.
دائمًا وأبدًا سيبقى الشخص المحترم هو الأكثر جاذبية، المحترم بعقليته وذوقه، الذي يعتذر عندما يخطئ، ويستأذن قبل أن يطلب الشيء، ويشكر عندما يساعده أحد، الذي يبادر بالابتسامة، ويحترم مساحتك الشخصية ويقدِّر تقلُّباتك النفسية.. الشخص المحترم كنز.
لا يبكي الإنسانُ دائمًا بسبب ضعفه، أحيانًا يبكي لِشدّةِ قوّته؛ قوّة قَلْبه، وثبات أقدامه، وطول صبره، واعتداده بنفسه، واعتزازه بقدراته، يبكي لأن قومه يحتمون به ويراهنون عليه في حين أنه لا يجد منهم أحدًا يحتوي قوّته ويستوعب صبره، يبكي لأنّ ثمنَ القوّةِ صعبٌ جدًا.
لم أحقِّق إنجازات كبيرة في حياتي المُنَعَّمة، لكن الشيء الذي أعتزُّ به حتى الآن، أني لم أظلم ولم أتجسَّس ولم أتخابث مع إنسانٍ قطّ، لأني أدرك شيئين؛ الأول أن الإساءة للآخرين نابعة مِن ضعف، والثاني أن غفران الإنسان لنفسه صعب، وخلاصة ذلك أن التهذيب الأخلاقي أعظم من الإنجاز المادي.
أخيرا، القرارات الكبيرة لايتخذها إلا الأقوياء، والشمس لا تشرق فجأة، نحن بالتدريج نصنعها.