الرئيسيةمقال

يوم الشهيد: حين يكتب التاريخ بدماء لا تجف!

بقلم الدكتور ناصر الجندي

هناك أيام تنسى، وهناك أيام تظل محفورة في الذاكرة، محفورة في القلوب، محفورة في كل شبر من أرض الوطن. ويوم 9 مارس ليس مجرد تاريخ… إنه يومٌ يسكن في دمائنا، يومٌ كُتب بحروفٍ من نار، يومٌ يُذكرنا بمن وقفوا في وجه العدو، وقالوا: نموت نحن… ليحيا الوطن!
في هذا اليوم، لا نحيي مجرد ذكرى، بل نُعيد رواية قصة الأبطال، قصة الذين واجهوا الموت بأعين مفتوحة وقلوب ثابتة، قصة الذين عرفوا أن أعظم وسام يُمنح للإنسان ليس الميداليات، بل بقعة من تراب الوطن تُروى بدمه!

لماذا نحتفل بيوم الشهيد في 9 مارس؟
ليس كل تاريخ يُكتب يستحق أن يُخلّد، لكن 9 مارس ليس مجرد يوم، بل هو عنوان للشرف، رمز للتضحية، صرخة في وجه الخوف!
في هذا اليوم عام 1969، سقط الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، شهيدًا وسط جنوده، في الصفوف الأمامية على الجبهة.
لم يجلس في مكتب مكيف، لم يراقب المعركة من بعيد، لم يكتفِ بإصدار الأوامر… بل ذهب إلى الخطوط الأمامية، حيث يتطاير الرصاص، وتنفجر القذائف، ويسقط الرجال.
لكنه لم يكن الرجل الوحيد الذي سقط، بل كان رمزًا لآلاف الشهداء، كل جندي، كل ضابط، كل فدائي، كل مقاوم… كل من قال: الوطن أولًا، والحياة تأتي بعده!

من هو الشهيد؟
ليس كل من يموت يُصبح شهيدًا… الشهداء وحدهم هم من ماتوا وقوفًا، من جعلوا دماءهم جسرًا لعبور الوطن إلى النصر.
الشهيد ليس مجرد اسم على لافتة، ولا مجرد صورة على جدار، ولا مجرد رقم في كتب التاريخ. الشهيد هو:
* الذي حمل البندقية ولم يحمل الخوف.
* الذي سار نحو الموت، وهو يعلم أنه قد لا يعود، لكنه مضى بكل ثقة.
* الذي لم يسأل عن أجر أو منصب أو مكافأة، بل سأل: هل انتصر وطني؟

لماذا نحتفل بيوم الشهيد؟
1- لأن الأبطال لا يموتون!
كيف يموت من منح الحياة للوطن؟
الشهداء لا يُدفنون في التراب، بل يُدفنون في القلوب، في ذاكرة كل طفل يلعب آمنًا، في عيون كل أم تنام مرتاحة، في ضحكة كل شخص يعيش حرًا بفضلهم.
إذا كنا اليوم نعيش، فلأن هناك من ماتوا ليظل الوطن واقفًا!
2- لأن التضحية تستحق أن تُحكى
ما قيمة الوطن إذا لم نحفظ ذكرى من ضحوا لأجله؟
يوم الشهيد ليس مجرد لحظة حزن، بل هو لحظة عز، لحظة فخر، لحظة نقول فيها: هؤلاء الأبطال قدموا حياتهم… ونحن لن نخذلهم!
3- لأن الحرية ثمنها الدم!
لا شيء يُمنح مجانًا، ولا وطن يبقى دون تضحية.
في كل حرب، في كل معركة، في كل أزمة… هناك رجال يسقطون ليظل الوطن واقفًا.
إذا كنت تعيش في أمان اليوم، فتذكر: هناك من عاشوا الحرب ليمنحوك السلام.
إذا كنت تبتسم، فتذكر: هناك من ماتوا ليظل هذا الوطن حيًا.
4- لأن الشهداء قدّموا كل شيء ولم يطلبوا شيئًا!
هل طلب الشهيد ثمنًا لدمه؟
هل انتظر الشهيد كلمة شكر؟
هل أراد الشهيد أن يكون مشهورًا؟
لا!
لقد قدم روحه، عمره، أحلامه، عائلته، كل شيء… ومضى نحو الموت دون تردد!
كيف لا نحتفل بمن جادوا بكل شيء، بينما نحن لا نستطيع حتى أن نجود بذكرهم؟

كيف نُخلّد ذكرى الشهداء؟
* ليس بالبكاء فقط، بل بحمل رايتهم!
* ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال التي تحمي الوطن!
* ليس بوضع الزهور على القبور، بل بزرع الأمل في القلوب!

يوم الشهيد ليس يومًا للحزن، بل يوم للوعد، وعدٌ بأن نبقى أوفياء، بأن نحفظ ما قدموه، بأن نعيش كما أرادوا أن نعيش: أحرارًا، أعزاء، مرفوعي الرأس.

كلمة أخيرة… هل نستحق تضحياتهم؟
يوم الشهيد يطرح علينا سؤالًا واحدًا:
“هل نحن أهلٌ لهذه الدماء؟ هل نستحق أن نحيا بعدما ماتوا هم؟”
الإجابة ليست في الكلام، بل في أفعالنا، في حبنا لوطننا، في إخلاصنا، في قدرتنا على أن نحمل الراية ونكمل الطريق.
المجد للشهداء… الخلود لأسمائهم… والعهد ألا نخذلهم أبدًا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى