الرئيسيةمقال

الدكتور ناصر الجندي يكتب عن العشق النبوي (٢٨) العشق النبوي بين الاتباع والابتداع

بقلم الدكتور ناصر الجندي

بين نور الحب وظلمة الغلو
حب النبي ﷺ هو أعظم حبٍّ يمكن أن يملأ قلب المؤمن، فهو حبٌّ يضيء الروح، ويهذب النفس، ويقود إلى الجنة. لكنه، وكما أن النهر العذب إذا تجاوز ضفافه صار طوفانًا مدمرًا، كذلك الحب إذا تجاوز حدوده وتحول إلى غلو وابتداع، فإنه يُفسد أكثر مما يُصلح.
فما الفرق بين العشق النبوي الصحيح الذي يقود إلى الجنة، وبين الحب المبتدع الذي قد يُضلّ صاحبه؟
وهل يكفي مجرد العاطفة لنكون من المحبين حقًا؟
في هذا المقال، سنبحر في عالم العشق النبوي الحقيقي، ونكشف كيف يكون الاتباع هو العلامة الفارقة بين المحب الصادق والمبتدع الغالي!

أولًا: الاتباع.. العلامة الحقيقية للعشق النبوي
حين نتحدث عن حب النبي ﷺ، فإننا لا نتحدث عن مجرد مشاعر، بل عن التزام عملي بمنهجه وسنته.
قال الله تعالى في آية عظيمة تُعرف بـ*”آية المحبة”*:
“قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ” (آل عمران: 31).

حب النبي ﷺ ليس مجرد دعوى!
إذا كنت تحب النبي ﷺ حقًا، فأين صلاتك؟ أين أخلاقك؟ أين سنتك؟
هل حبك له يظهر في أفعالك كما يظهر في كلامك؟

قصة الصحابي الذي جسّد العشق الحقيقي
يروى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يسير ذات يومٍ في طريق، فتوقف فجأة، ثم أكمل سيره. فسأله أحدهم عن السبب، فقال:
“كنت مع النبي ﷺ في هذا المكان، فرأيت أنه وقف هنا لحاجة، فوقفت كما وقف.”
هذا هو الحب! حبٌّ يترجم إلى اتباع دقيق، لا إلى أقوال جوفاء.

ثانيًا: حينما يتحوّل الحب إلى غلو.. حادثة الثلاثة الذين غلوا في العبادة
ليس كل من ظن أنه يحب النبي ﷺ يكون محبًا على الحقيقة، فقد يقع البعض في الغلو، ظنًا منهم أنهم يزدادون قربًا من الله ورسوله، لكنهم في الحقيقة يبتعدون عن المنهج الصحيح!
قصة الصحابة الثلاثة الذين غلوا في العبادة
جاء ثلاثة من الصحابة إلى بيوت النبي ﷺ يسألون عن عبادته، فلما عرفوها، ظنوا أنها قليلة!
* فقال الأول: “أما أنا، فسأصلي الليل كله ولن أنام.”
* وقال الثاني: “وأنا سأصوم الدهر كله ولن أفطر.”
* وقال الثالث: “وأنا سأعتزل النساء، ولن أتزوج أبدًا.”
هنا، كان لا بد أن يُصحّح النبي ﷺ هذا الفهم الخاطئ للحب، فاجتمع بهم وقال لهم بوضوح:
“أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني!”

الدرس العظيم من هذه الحادثة
هذه القصة تُعلّمنا أن الاتباع الحقيقي للنبي ﷺ ليس في الغلو أو التشدد، بل في الاقتداء به في كل شيء، حتى في اعتداله!
فالحب الصادق ليس في تحميل النفس ما لا تطيق، ولا في ابتداع عبادات لم يأمر بها النبي ﷺ، بل في التزام نهجه الحكيم.

ثالثًا: كيف نفرّق بين الاتباع والابتداع؟
لكي يكون عشقنا للنبي ﷺ صحيحًا، يجب أن نميز بين التعبير المشروع عن الحب، وبين الطقوس المبتدعة التي لم يأتِ بها النبي ﷺ.

1- كيف نحب النبي ﷺ بالطريقة الصحيحة؟
* الإكثار من الصلاة والسلام عليه.
* الالتزام بسنته في العبادة والأخلاق.
* نشر سيرته العطرة والدفاع عنه.
2- متى يتحول الحب إلى بدعة؟
* عندما يتحول الحب إلى طقوس غريبة لم تأتِ بها الشريعة.
* عندما يُغالي البعض في تعظيم النبي ﷺ لدرجة إعطائه صفات لا تليق إلا بالله.

رابعًا: قصص من العشق النبوي الصحيح
1- بلال بن رباح.. العشق الصادق
حين توفي النبي ﷺ، توقف بلال عن الأذان، لأنه لم يكن يستطيع أن ينطق بـ”أشهد أن محمدًا رسول الله” دون أن يبكي بحرقة.
لكن مع ذلك، لم يخترع طقوسًا جديدة للتعبير عن حزنه، بل بقي ثابتًا على سنة النبي ﷺ.
2- أنس بن مالك.. خدمة بحبّ ودعاء عظيم
خدم أنس بن مالك النبي ﷺ عشر سنوات، ولم يسمع منه كلمة نابية أبدًا.
وفي النهاية، دعا له النبي ﷺ قائلاً:
“اللهم بارك له في ماله وولده، وأطل عمره، واغفر له ذنبه.”
وكان أنس يقول: “والله، لقد رأيت بركة هذا الدعاء في حياتي كلها!”

الحب الحقيقي هو الاقتداء
ليس كل حبٍّ صادق، فالحب الذي لا يقود إلى الاتباع هو مجرد ادعاء.
هل تريد أن يكون حبك للنبي ﷺ حقيقيًا؟
* لا تكتفِ بالمشاعر، بل اجعلها نورًا يهديك إلى اتباع سنته، والاقتداء به في عبادتك وسلوكك وحياتك.
اللهم اجعلنا من الصادقين في حب نبيك ﷺ، وارزقنا اتباعه قولًا وعملًا.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى