
بقلم الدكتور ناصر الجندي
الحلم الأكبر لكل عاشق
في كل قلب مؤمن، هناك أمنية دفينة، حلم يراوده منذ أن تعرّف على سيرة النبي ﷺ، أن يراه بعينيه، أن ينظر إلى وجهه الكريم، أن يسمع صوته العذب، أن يجلس بين يديه كما جلس الصحابة، أن يكون قريبًا منه في أعظم لقاء على الإطلاق: لقاء النبي ﷺ يوم القيامة!
إنه اللقاء الذي تتسارع له القلوب، وتذوب فيه الأرواح عشقًا، هو اللقاء الذي تهون دونه أهوال يوم القيامة، حيث يقف كل عاشق مترقبًا، متلهفًا لرؤية حبيبه المصطفى ﷺ.
لكن، هل كل من أحب النبي ﷺ سيظفر بهذا اللقاء؟
كيف سيكون حال العاشقين يومها؟
من هم المحرومون من هذا الشرف العظيم؟
وكيف نضمن أن نكون من الذين يحظون بهذا اللقاء المبارك؟
1- اللقاء الأول: حين يشفع النبي ﷺ للمؤمنين
يوم القيامة يوم عصيب، الشمس تقترب من رؤوس الخلائق، الناس يتصببون عرقًا، كلٌ يبحث عن النجاة، الكل خائف، متوتر، لا يعرف مصيره.
في هذه اللحظة الرهيبة، يهرع الناس إلى الأنبياء، يسألونهم أن يشفعوا لهم عند الله ليبدأ الحساب، لكن كل نبي يعتذر، حتى يصلوا إلى الحبيب المصطفى ﷺ، فيقول:
“أنا لها! أنا لها!”
ثم يسجد تحت العرش، ويدعو الله دعاءً لم يسمعه أحد من قبل، حتى يُؤذن له بالشفاعة، فيقول الله:
“ارفع رأسك، وسل تُعطَ، واشفع تُشفَّع!”
فتكون هذه أول لحظة يُشرق فيها نور الرحمة على أمته، وأول لقاء للمؤمنين مع نبيهم، حين يكون هو سبب نجاتهم، وهو أول من يفتح لهم باب الأمل في ذلك اليوم العصيب.
يا لها من لحظة عظيمة! ويا خسارة من لم يكن من أهلها!
2- اللقاء الأجمل: ورود الحوض ومصافحته ﷺ
بعد أن يُنجّي الله المؤمنين بشفاعة نبيه ﷺ، تأتي اللحظة التي يحلم بها كل عاشق، اللحظة التي يتقدم فيها النبي ﷺ لاستقبال أمته عند حوضه المبارك.
قال ﷺ:
“حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكِيزانه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا” (متفق عليه).
تخيّل هذا المشهد العجيب:
* أنت تمشي في أرض المحشر، مرهقًا، متعبًا، ظمآن، تبحث عن وجه مألوف،
* فجأة، ترى نورًا يضيء المكان،
* إنه رسول الله ﷺ واقف عند الحوض، يشير إليك، يبتسم لك،
* قلبك يخفق بقوة، تشعر وكأن الزمن توقف،
* تتقدّم نحوه، تتمنى أن تبقى في هذه اللحظة للأبد،
* يقدّم لك كوبًا من يده الشريفة، تشرب، فتشعر بسعادة لم تعرفها من قبل، ويختفي كل تعب وعطش للأبد.
لكن هناك من سيُحرمون من هذا اللقاء!
في الحديث الصحيح، قال النبي ﷺ:
“أصحابي! أصحابي!” حينما رأى بعض الناس يُطردون عن الحوض، فقيل له: “إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!”
الحوض لمن كان على سنته، لا لمن بدّل وغيّر!
3- اللقاء الأبدي: مع النبي ﷺ في الجنة
ليس هناك سعادة أكبر من أن تكون مع النبي ﷺ في الجنة، أن تجلس معه، أن تستمع إليه، أن تكون من خاصته وأحبابه.
جاء رجل إلى النبي ﷺ وقال:
“يا رسول الله، متى الساعة؟”
فقال له النبي ﷺ: “وماذا أعددتَ لها؟”
قال: “ما أعددتُ لها كثير صلاة ولا صيام، ولكنني أحب الله ورسوله!”
فقال له النبي ﷺ: “أنت مع من أحببت!” (متفق عليه).
يا الله! أي كرامة أعظم من هذه؟
إذا كنت تحب النبي ﷺ بصدق، فأنت معه يوم القيامة، وفي الجنة، وفي أعلى الدرجات!
4- كيف تستعد لهذا اللقاء العظيم؟
* الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ
قال النبي ﷺ:
“إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة” (رواه الترمذي).
* اتباع سنته والاقتداء به
هل أنت ممن يطبق سنته في حياته؟ هل أخلاقك تشبه أخلاقه؟
* طهارة القلب من الغلّ والحسد
قال النبي ﷺ: “يُحشر المرء مع من أحب”، فهل قلبك مليء بالحب الصادق له ولأمته؟
* الدعاء برؤيته في المنام
قال ﷺ: “من رآني في المنام فقد رآني حقًا” (رواه البخاري).
* طلب شفاعته
أكثر من قول:
“اللهم ارزقني شفاعة نبيك محمد ﷺ يوم القيامة، واجعلني من أهل حوضه، واحشرني في زمرته، وأدخلني الجنة معه يا أرحم الراحمين!”
هنا تنتهي الرحلة، ويبقى العشق خالدًا
لقد طافت بنا هذه السلسلة في بحار العشق النبوي، من حب الصحابة له، إلى مظاهر العشق في القرآن والسنة، ثم إلى قصص أروع العشاق من الصحابة وأهل البيت.
انتقلنا بين مراحل هذا الحب، بين التتلمذ على يديه، ثم الاشتياق إليه بعد فراقه، ثم انتظار لقائه يوم القيامة.
لكن هل ينتهي العشق عند هذا الحد؟
كلا!
فالعشق النبوي ليس مجرد كلمات تُكتب، ولا حكايات تُروى، بل هو منهج حياة، وشعلة لا تنطفئ، ونور يسري في القلوب، وأمل يضيء لنا الطريق.
كل منا يستطيع أن يكون عاشقًا حقيقيًا، إذا جعل حب النبي ﷺ نبراسًا ينير حياته، واتخذ سنته طريقًا يسير عليه، وجعل همّه الأكبر أن يراه يوم القيامة، فيكون من أهل شفاعته، ويشرب من حوضه، ويكون معه في الفردوس الأعلى.
فيا من عشقتم الحبيب المصطفى ﷺ، اجعلوا هذا العشق حيًا في قلوبكم، حتى يكون لقاء النبي ﷺ يوم القيامة ليس مجرد أمنية، بل وعدًا يتحقق، وموعدًا لا يُخلف.
اللهم اجعلنا من أهل هذا اللقاء، ولا تحرمنا من رؤية وجهه الكريم، واجمعنا به في دار كرامتك يا أرحم الراحمين!
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم بحمد الله ختام هذه السلسلة المباركة عن “العشق النبوي”. نسأل الله أن تكون هذه المقالات قد أضاءت قلوبكم بحب النبي ﷺ، وجعلتنا جميعًا من المشتاقين للقائه يوم القيامة.