الرئيسيةمقال

الدكتور ناصر الجندي يكتب عن عيد الفطر: فرحة القلوب بعد عناء الدروب

بقلم الدكتور ناصر الجندي

عندما يُعلن عن رؤية هلال شوال، تهتز القلوب فرحًا، وتتراقص الأرواح شوقًا ليوم العيد. إنه ليس مجرد مناسبة تمر كل عام، بل هو لحظة استثنائية، تتويجٌ لرحلة روحية عاشها الإنسان خلال شهر رمضان، حيث صام عن الطعام والشراب، لكنه تغذّى بالإيمان، وحرم نفسه من اللذة، لكنه ذاق حلاوة القرب من الله.
العيد ليس فقط يومًا من الفرح، بل هو درس عميق في معنى الحياة، حيث تمتزج المشاعر بين الامتنان والاحتفال، بين العطاء والاستمتاع، بين استراحة المحارب واستئناف الرحلة من جديد. في هذا المقال، سنغوص في أجواء العيد، ونكشف أسراره، ونستعيد ذكرياته التي تبقى محفورة في القلوب، لأن العيد هو أكثر من مجرد يوم… إنه شعور.

العيد.. حين يصبح الفرح عبادة
في الإسلام، لا يكون الفرح عابرًا أو مجرد نشوة زائلة، بل هو عبادة بحد ذاته إذا كان نابعًا من شكر النعمة والاحتفاء برحمة الله. فالعيد لم يُفرض علينا كاحتفال دنيوي فقط، بل كجزء من دورة الإيمان، حيث نصل الليل بالنهار في الطاعة، ثم نفرح لأننا أدينا ما علينا من العبادة، وكأن العيد مكافأة إلهية تهبط من السماء لتُطمئن القلوب: “لقد اجتزتم الاختبار بنجاح، فافرحوا، ولكن لا تنسوا أن تشركوا الآخرين في فرحكم!”
لذلك، شرع الله زكاة الفطر، وكأنها تذكرة عبور إلى العيد الحقيقي، حيث لا تكتمل الفرحة إلا إذا كانت شاملة للجميع. فكما صام الفقير والغني جنبًا إلى جنب، يجب أن يفرح الجميع دون استثناء، فلا يُترك محتاج في يوم كهذا دون بسمة، ولا يُحرم طفل من فرحة الثياب الجديدة والحلوى.

العيد.. حين تعود القلوب إلى طفولتها
العيد هو اللحظة التي تعود فيها القلوب إلى براءتها الأولى، تلك التي كانت تسعد بأبسط الأشياء: قطعة حلوى، لباس جديد، أو حتى مجرد سماع تكبيرات العيد تتردد في الأفق.
تخيل نفسك فجر يوم العيد، تستيقظ على صوت الأذان المميز لهذه المناسبة، ترتدي أجمل ما لديك، ثم تمضي إلى المسجد وسط جموع الناس، ترى الأطفال في ملابسهم الجديدة يركضون بفرح، ترى الكبار بوجوه يملؤها الرضا، وتجد نفسك، بلا وعي، تبتسم.
ثم تأتي لحظة “تقبل الله منا ومنكم”… هذه العبارة البسيطة التي تُقال بكل حب بين الأصدقاء والجيران والأقارب، لكنها تحمل في طياتها معنى أعمق: نحن جميعًا في هذه الحياة مجتهدون، نحاول أن نكون أفضل، نخطئ ونصيب، ولكننا في النهاية، نرجو القبول من الله.
العيد هو اليوم الذي نتصافح فيه لا بأيدينا فقط، بل بقلوبنا أيضًا.

ذكريات العيد.. حيث تعيش القلوب
العيد ليس مجرد طقوس تُمارس، بل هو مشاهد لا تُنسى، محفورة في ذاكرة كل إنسان، مهما كبر عمره.
طفل صغير يرتدي ملابسه الجديدة قبل الفجر، ثم يوقظ والديه بلهفة، منتظرًا لحظة الخروج إلى صلاة العيد.
أم تقف في المطبخ منذ الصباح الباكر، تعدّ أشهى الأطباق، وتضع لمساتها الخاصة على الحلوى التي ستوزعها على الزوار.
أب يجلس في صدر المجلس، يستقبل الضيوف بابتسامة، يوزع العيديات، ويستعيد ذكرياته عن أعياد الطفولة.
جدة تجلس في ركن البيت، تراقب الأحفاد وهم يركضون حولها، تضحك معهم، وتشعر أنها عادت إلى شبابها للحظات.
أصدقاء يلتقون بعد غياب، يضحكون، يتبادلون القصص، ويتذكرون كيف كانوا أطفالًا ينتظرون العيدية ويشترون بها الحلوى والألعاب.

كل هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تجعل العيد يومًا لا يُنسى. إنه ليس مجرد مناسبة تأتي وتمضي، بل هو جزء من نسيج الذكريات، يعود بنا إلى طفولتنا، ويلهمنا لنصنع لحظات سعيدة جديدة مع من نحب.

العيد.. يومٌ لكنه حياةٌ بأكملها
إذا تأملت في العيد جيدًا، ستجد أنه يمثل دورة حياة كاملة:
قبل العيد: الاستعداد، شراء الملابس الجديدة، تجهيز الحلويات، إعطاء زكاة الفطر.
فجر العيد: صوت التكبيرات، صلاة العيد، المصافحة والمباركة.
نهار العيد: التجمع العائلي، زيارة الأقارب، توزيع العيديات.
ليلة العيد: ذكريات النهار، إحساس بالراحة والامتنان، انتظار رمضان جديد.
وكأن العيد يخبرنا أن الحياة نفسها تسير بهذا النسق: جهد وعطاء، ثم فرحة وراحة، ثم بداية جديدة.

العيد.. وداعًا رمضان، ومرحبًا بالأمل
كما جاء العيد بعد رمضان، سيأتي رمضان بعد العيد، وهكذا تستمر دورة الأيام، حيث يمتزج الجهاد بالفرح، والعطاء بالرضا، والتعب بالسكينة. العيد ليس وداعًا لشهر الطاعة، بل هو وعد بلقاء جديد، حيث نبدأ الرحلة من جديد، بنفس متجددة، وقلب مليء بالأمل.
كل عام وأنتم بخير، وعيدكم مبارك حيث تسكن أفراحكم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى