شئون خارجيةسياسه

رؤية تحليلية للحرب الإسرائيلية الإيرانية (2)

النائب/محمد عادل عبد الخالق

نائب برلمان الشباب

عرضت في مقالي الأسبوعي في نفس المكان، في الأسبوع الماضي، الرؤية التحليلية الأولى عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، أو ما يُعرف بـ حرب الـ 12 يوم، والتي تُعتبر أحدث حرب بين دولتين في العصر الحديث رغم أنها كانت حرب جوية صاروخية، لكنها كانت تستحق الدراسة.

 

وبالتالي،بدأ العديد من المفكرين والباحثين ومراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم في تحليل الدروس المستفادة.عن هذه الحرب وتحديد نقاط القوة والضعف التي برزت خلال أعمال القتال ومن أهم ما جاء في مقال العدد الماضي: نجاح إسرائيل في تحقيق المفاجأة على إيران، وكذلك ظهور الفكر الجديد في أعمال القتال، حيث أصبحت أكثر تعقيداً باستخدام القوات الجوية، ونيران الصواريخ، والطائرات المسيرة، دون الحاجة إلى استخدام القوات البرية لتحقيق الهدف من الحرب.

 

أما الدرس الثاني، فكان نجاح إسرائيل في استخدام عملاء وجواسيس الموساد كأداة في تحقيق مهمة القتال.

 

أما الدرس الثالث، فقد تجلى في عدم إمكانية الاعتماد على القوات البرية لتحقيق أهداف حاسمة في مثل هذه المواجهات، حيث ظهر في تلك العمليات الاعتماد الأساسي كان على القوة الجوية والصاروخية والمسيرات. حيث ركزت إسرائيل على تحييد الدفاعات الجوية الإيرانية ومنظومات الرادار، وحققت سيطرة جوية شبه كاملة على ميدان المعارك داخل الأراضي الإيرانية. ومن خلال هذا التفوق الجوي، جرى توظيف الطائرات المقاتلة، والقاذفات الاستراتيجية، والطائرات المسيرة، إلى جانب ترسانة متنوعة من الصواريخ قصيرة وبعيدة المدى، لتوجيه الضربات المتلاحقة ضد الأهداف النووية الإيرانية.

 

التي نجحت في تدمير معظم الأهداف طبقا للتقارير الامريكية حيث تم استخدام أنواع مختلفة من الصواريخ، منها الباليستية، التي يتم تصنيفها وفقاً لمداها، فمنها قصيرة المدى التي يبلغ مداها 1000 كيلو متر، ومتوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 1000 إلى 3500 كيلو متر، وفوق المتوسطة التي تصل مداها إلى 5500 كيلو متر، وأخيراً طويلة المدى، أو عابرة القارات التي تصل لأبعد من 5500 كيلو متر، ولا تتجاوز سرعة الصواريخ الباليستية 5 ماخ (أسرع من الصوت).

 

أما النوع الآخر من الصواريخ الموجودة بالترسانات العسكرية، فهو الصاروخ الفرط صوتي، الذي تبدأ سرعته من 5000 ماخ، وتصل في بعض الأحيان إلى 17000 ماخ، عند خروجه من الغلاف الجوي، كما يتميز بقدرته على مراوغة الدفاعات الجوية المعادية، عكس الصواريخ الباليستية التي تفتقد إلى تلك المرونة، إذ تخترق الصواريخ الفرط صوتية المجال الجوي، وتنطلق في الفضاء حتى تصل إلى أهدافها، وخلال تلك الفترة، لا يمكن كشفها أو التصدي لها.

 

وفي ردها، استخدمت إيران الصاروخ “فتاح 1 و2” الفرط صوتي، الذي يبلغ مداه 1400 كيلو متر، والقادر على تخطي كافة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، فأطلقتهم إيران باتجاه إسرائيل، التي تستخدم أربعة أنظمة للدفاع الجوي ضد الطائرات والصواريخ المعادية، وهي، القبة الحديدية، ومداها من 4 إلى 70 كيلو متر، ونظام مقلاع داوود، ومداه من 40 إلى 300 كيلو متر، ونظام السهم (آرو)، ويصل مداه حتى 2300 كيلومتر، فضلاً عن نظام “ثاد” الأمريكي، الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً لها.

 

كما استخدمت إيران تكتيكاً عسكرياً جديدًا، فمع وصول الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية إلى الأهداف الإسرائيلية، كانت قد سبقها بدقائق وصول الطائرات الدرونز، فنجحت، بذلك، في تشتيت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، ولأول مرة يشعر سكان إسرائيل بالخوف والهلع، واندفعوا للهروب إلى الملاجئ تحت الأرض، وهم بالملابس الداخلية، بعد دوي صفارات الإنذار، وبدأت إسرائيل تتجرع طعم الإهانة أمام ضربات الصواريخ الفرط صوتية.

 

ومن ذلك كله، نستخلص أن القوات الجوية، ومعها الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية، سيكون لها الدور الأهم والحاسم في إدارة العمليات العسكرية مستقبلًا. حيث أثبتت هذه الأدوات الحديثة قدرتها على تغيير موازين القوى في ميدان القتال، بما يجعلها العنصر الأكثر تأثيرًا في الحروب القادمة بالتعاون بالطبع مع القوات البرية.

 

ويمكن القول بأن قوانين القتال في العمليات العسكرية سوف تتغير في الفترة القادمة، حيث سيتم التركيز على أسلوب توظيف هذه الضربات الصاروخية والطائرات المقاتلة، والمسيارات سيكون لها دور رئيسي قبل الهجمات البرية.

 

أما الدرس الأخير الذي خرجت به معظم الدراسات وآراء المفكرين، فهو أن الفائز الأول في هذه الحرب هي الصناعات العسكرية الإسرائيلية. حيث ظهر فشل “القبة الحديدية” التي أعلنت عنها إسرائيل على أنها نظام عالمي، وأصبح مشروعًا مشتركًا مع الولايات المتحدة.

 

لذلك أعتقد أنه بعد أن هدأت الحرب، سوف تعمل مراكز الأبحاث والصناعات الإسرائيلية على تطوير نظام القبة الحديدية، ونظام “مقلاع داوود” ، وحتى منظومة “ثاد” للدفاع الجوي الأمريكي. حيث تبيّن للجميع عدم نجاح هذه الأنظمة وفشلها في التصدي للصواريخ الإيرانية، وبالذات الصواريخ الفرط صوتية.

 

لذلك، فإنني أرى شخصيا أن الفائز الأول في هذه الحرب هي الصناعات الحربية، وبالذات صناعات الدفاع الجوي، سواء في إيران التي فقدت عناصر دفاعها الجوي اليوم الأول، ولذلك تفكر حاليا في شراء أنظمة دفاع جوي صيني وإسرائيل التي فشلت عناصرها في التصدي للصواريخ الإيرانية.

 

ومن المتوقع أن تضخ الولايات المتحدة، في الفترة القادمة، أموالًا إضافية لتطوير القبة الحالية بالتعاون مع إسرائيل، باعتبارها مشروعًا مشتركًا، وكذلك لتطوير نظام “ثاد”.

 

وهكذا جاءت هذه الحرب لتعدل العديد من المفاهيم القتالية في الحروب القادمة، وهذه هي السمة الأساسية لأي حرب: الدراسات والتحليلات التي يخرج بها المفكرون من متابعة أعمال القتال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى