بقلم: فكـري الرعـدي
من المعلوم أن الحق يقهر الطغاة وعشاق الظلام والإجرام، ويعرف الكثير من البشر أن الحقيقة تنتصر وتدحض الأكاذيب مهما تعاظمت قوة الطغيان، ويشهد سجل التاريخ على تلازم الطغيان والاستعمار وترويج الأكاذيب ومعاداة الحقيقة.
واليوم في عصر يتحدثون فيه عن الاستعداد التام لإقامة شبكة إنترنت بين كواكب المجموعة الشمسية، وتنتقل البشرية إلى عصر الانترنت الفضائي في كثير من بقاع الأرض، وتدور حول الكرة الأرضية آلاف الأقمار الصناعية التي تنقل بث آلاف الإذاعات وقنوات التلفزة الفضائية وتمكن المطابع من طباعة الصحيفة الواحدة في عدد من القارات في اللحظة نفسها التي تطبع في مركزها الرئيس، بل أضحى المواطن يسابق وسائل الإعلام في توثيق الأحداث في بلده ونشرها بالصوت والصورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا العصر الذي يتغنون فيه باستخدام أحدث التقنيات لتحسين حياة الإنسان، تٌقدم حكومة الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب أبشع الجرائم التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً على حد تعبير المفوضية الدولية لحقوق الإنسان.
ولأن جرائمها ضد سكان قطاع غزة الأبرياء أثارت استنكار الشعوب وذوي الضمائر الحية فقد عمدت إلى قطع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة منذ يوم السبت 28 سبتمبر 2023 لكي تمنع العالم من رؤية مذابحها الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين.
إن قطع الإنترنت يُعد الفصل الأحدث في حرب قوات الاحتلال ضد الحق والحقيقة، فقد سبقته فصول عديدة، كان أهمها الاستهداف الممنهج لوسائل الإعلام التي تنقل أحداث الحرب العدوانية، وهو الاستهداف الذي أفضى إلى تدمير مقرات 50 وسيلة إعلامية في قطاع غزة، بالإضافة إلى إزهاق أرواح 21 صحفياً، وكان الاستهداف المتعمد ومن مسافة قريبة للصحفي المصور بوكالة رويترز عصام عبدالله في جنوب لبنان دليلاً إضافياً على كذب الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة.. أليست الصحافة الحرة أساس الديمقراطية؟
يواجه الصحفيون والصحفيات في فلسطين الكثير من المضايقات والتنكيل، أما في غزة فإنهم يواجهون القتل وفقدان عائلاتهم بالقصف الجوي الإسرائيلي الوحشي، ورغم المتاعب الكبيرة إلا أن هؤلاء الشهود الشجعان نقلوا وما يزالون ينقلون للعالم وقائع أكبر عملية إبادة في القرن الحادي والعشرين.
إن استهداف الصحافة ووسائل الإعلام جمعاء وقتل العاملين بها أو محاولة إلحاق الأذى بهم أو بأسرهم دليل لا يقبل التشكيك على إدراك المحتل الإسرائيلي لحجم جرائمه التي لا يريد للعالم أن يرى بشاعتها. كما أن استهداف الإعلام هو في حد ذاته استهداف للحقيقة، ومن يخشى الحقيقة سوى أعداء الإنسانية؟
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن قتل الصحفيين يُعبر عن حالة يأس وخوف متلازمين دوماً، فالقتل يأس من الانتصار على الحق والحقيقة، ومن ذا الذي يمكنه أن ينتصر على الحق والحقيقة؟ والتاريخ يشهد باستحالة ذلك الانتصار. والقتل فعل إجرامي لشخص خائف من فضح جرائمه ونشر قبحه على رؤوس الأشهاد في عصر السماوات المفتوحة.
إن الصحافة التي توصف بالسلطة الرابعة تدافع عن حقوق الإنسان بكشف الانتهاكات التي تتعرض لها تلك الحقوق، وهي بذلك شاهد إثبات يخشاه المجرمون في كل بقاع الأرض، وخشيتهم تلك تثبت أن أعداء الصحافة هم أعداء الإنسان.. غير أن هؤلاء لا يدركون أن الحقيقة سوف تنتصر ولو طال الزمن ومهما اشتدت ظلمة الليل فلابد أن يبددها نور الفجر ولو كره المعتدون الإسرائيليون..
تحية لكاشفي الزيف وفاضحي جرائم الصهيونية.. والخزي والعار لأعداء الإعلام الحر.. أعداء الإنسان..!!