مقال

**السرادق الأصغر **

بقلم /يوسف عثمان

العمامة كما يبدو أن تكون والمسبحة ذات الخرز الأزرق والقيافة الأزهرية يفوح منها المسك الإنجليزى المعتبر وجسد الشيخ الممتلئ يكاد يقفز من كل جوانب قيافته الأزهرية وجه أحمر وأنف محدب منفوخ ذو فتحة تتسع كلما قرأ وأراد سلطنة الحاضرين المكان واسع جدا تغطيه الأنوار من خلال لمبات كبيرة متدلية من أعلى بينها نجف كبير مزخرف والأصوات لا تتوحد إلا فى التوحيد والتهليل الله الله ياسيدنا كلما أراد لهم ذلك الجميع اختلف فى كل شئ إلا فى نفخ دخان سجائرهم الذى ملأ الأرجاء وتعانق مكونا سحابة ضبابية تعلو فى اتجاه واحد بحسب زفيرهم الحار وسعالهم المتقطع وعلى كل جانب يتخذه كل اثنين من الحاضرين وأحيانا ثلاثة تسمع حكاياتهم حول الفقيد
الله يسامحه
كان ابن أصول كريم وإيده فرطه
ومن يراه كاشر الوجه عبوثا
لايعطى إلا الدنية
نسوانجى منحنح الحديث
بصباص
عنيه يدب فيها رصاصة
اختلف الحديث ولم تختلف وجوههم عند اقتراب أهل الفقيد
تكشيره عريضة وعينان دابلتان
وجسد منتفخ كنوع من الحزن الذى ملأ الجسد والفؤاد
وما أن يبتعد
ويعود الحديث كما بدأ
أسنان صفرها دخان السجائر والشاى المغلى الفلاحى
رقاب طويلة عروقها منتفخة تكاد تقفز خارج جلدها
وضحكات مكتومة
لأحاديث مكرورة اعتادوها فى السرادقات
بين الحين والآخر
صوتا أجش
سعيكم مشكور
ذنبكم مغفور
وآخر
يمر وراءه الساعى
حط هنا شاى
وهناك قهوة
بحسب مايرتديه المعزى
من ثياب كل حسب واجهته وفخامة ثيابه
يتخلل الحديث بينهم بعض
الضحكات على استحياء بلا صوت حابسا صوتها كنوع من المشاركة فى الحزن
من بعيد يقترب رجل طويل يرتدى عباءته الخليجية وفى يده علب السجائر المستوردة التى يلقيها ببذخ كنوع من التعبير عن مكانة الفقيد حتى الجرسون يهرول مسرعا كلما رأى أحدا من أهل السلطة أول المال ليقدم له القهوة فى فنجان قيشانى صغير الحجم بصحبة المياه المعدنية وفى الوسط يجلس أبناء الفقيد بجانبهم أخوة الفقيد ينحنون عليهم هامسين فى آذانهم بضرورة التماسك بعدما يتأكدون من مكان شالهم الكشميري والعباءة فوق كتفيهم منمقين ويستحضرون بعض الدموع آثر تذكرهم بموقف عصيب مر عليهم وإن عصت الدموع افتعلوها كلما رمقوا بأعينهم من بعيد أحد الأعيان يدخل السرادق أو نأئب من نواب الشعب مرددين فى صوت مبحوح عند إلقاء السلام وتقديم واجب العزاء لأبناء الفقيد
الل خلف ماممتش
البركة فى الرجالة
فيرد السامعون
ربنا يطرح فيهم البركة
يتم احتضان أبناء الفقيد بعدها
يجلس من حضر يرمق بعينيه السرادق
لحظات بسيطة ويبدأ فى الإندماج فى الحديث مع من على
ميمنته أو مسيرته
يعاود الجميع الحديث كل على ليلاه وسط حالة من التعب والإرهاق ينتاب أبناء الفقيد وأحيانا غثيان من سهر ليلة أمس وهم يجهزون الفقيد ويحضرون السرادق ويهرولون فى كل مكان ليكونوا على أثم الاستعداد حتى تكون ليلة يتحاكاها الجميع وتكون فى أبهى صورة تظل عالقة فى الأذهان
لكن لاشئ يعلوا فوق الطلعة الآخيرة وصورتها التى تخلد فى الأذهان
ترتيب دقيق لكل لحظة من لحظات مراسم الدفن وحركة تدب فى كل شبر داخل وخارج بيت الفقيد يتخللها لحظات
حزن عميق
وبكاء يصاحبه شهيق بلا سعال
ساعات مضت وآخرى قادمة الجميع يمارس دوره ببراعة وتمرس اعتاده الجميع
وما أن ينتصف الليل ويقل توافد المعزيين إلا وينادى كثير من أهل الفقيد أحسنت ياسيدنا خلاص شكر الله سعيك
تنطفئ الأنوار بعدها يعود الجميع لمنازلهم وفى الصباح يعودون للسرادق الأكبر لممارسة
حياتهم بصورة طبيعية بلانقصان
سوى من فقدوه وأقاموا له السرادق الأصغر فى المساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى