مقال

الدكتور ناصر الجندى يكتب :قصة قصيرة بعنوان “ليلة سقوط الذئاب”

بقلم الدكتور ناصر الجندي

الذئب وشريكته
لم يكن كمال الشرقاوي مجرد وكيل مدرسة، بل كان ذئبًا بشريًا يعرف كيف ينهش دون أن يترك أثرًا. رجلٌ لا يرحم، يتاجر بدرجات النجاح، ويبيع الترقيات، ويخنق كل من يقف في طريقه. لكن خلف كل ذئب، هناك شريكة أكثر دهاءً… جلنار الجبالي، المديرة التي لا تعرف الرحمة.
كانت جلنار تُدير كل شيء من الظل. كمال هو اليد التي تنفذ، لكنها كانت العقل المدبر. لم يكن هناك قرارٌ يُتخذ في المدرسة دون أن يصب في مصلحتهما.
الطالب الفقير؟ مكانه في الشارع، ما لم يدفع.
المعلم الشريف؟ إما الخضوع، أو النقل التعسفي.
ولي الأمر الذي يعترض؟ يُقابل بجدارٍ من التهديدات.
لكن تلك الليلة… كان هناك من قرر أن اللعبة قد انتهت.

الضيف غير المرئي
في مساء ذلك اليوم، كانت المديرة ووكيلها يحتفلان في مكتبها. على الطاولة، كيس ممتلئ بالنقود، وأوراق تزوير درجات موضوعة بعناية.
“هكذا يُدار التعليم!” قال كمال، وهو يرفع كوبه ساخرًا.
جلنار ضحكت، “وكل من يعترض، ينتهي أمره… أليس كذلك؟”
لكن فجأة… انطفأت الأنوار.
ساد صمتٌ ثقيل، ثم… فُتح الباب ببطء. وقف عند العتبة رجلٌ غامض، يرتدي بدلة رمادية، وجهه هادئ لكن عينيه تحملان يقينًا مخيفًا.
“مساء الخير، سيد كمال… آنسة جلنار.”
تبادل الاثنان نظرات الذعر. كمال سأل بصوتٍ جاف: “مَن أنت؟ وكيف دخلت؟”
الرجل تجاهل السؤال، ووضع ملفًا ضخمًا على الطاولة، كُتب عليه بخط واضح:
“لجنة الحساب الفوري – قضايا الفساد العالقة”
“جئتُ لمناقشة ملفاتكما… قبل أن يُحسم مصيركما إلى الأبد.”

حين تتكلم الضحايا
فتح الرجل الملف، وبدأ في تقليب الصفحات، بينما ظهرت أمامهما مشاهد ثلاثية الأبعاد، كأنها تُعرض على شاشة غير مرئية.
أحمد، الطالب الفقير الذي طُرد لأنه لم يدفع رشوة النجاح.
الأستاذ يونس، المعلم الذي دُمّرت حياته بعد أن رفض الفساد.
ليلى، الطالبة المتفوقة التي مُنعت من المنحة الدراسية لأن أهلها لم “يتعاونوا”.
كل صوت كان كالسيف الذي يُغرس في قلبيهما.
كمال شعر بالغثيان. جلنار تماسكت، لكنها قالت ببرود: “الجميع يفعلونها، لماذا نحن فقط؟”
الرجل الأنيق ابتسم ببرود: “الجميع قد يفعلها… لكن ليس الجميع يُحاسب الآن. أنتما… جاء دوركما.”

الاختبار الأخير
وقف الرجل الأنيق ولوّح بيده، فانقسم المكان إلى قسمين. على اليمين، بوابة ذهبية مُضيئة، وعلى اليسار، نفقٌ أسودٌ يبتلع الضوء.
“لديكما فرصة… لكن هناك شرطًا واحدًا.”
كمال وجلنار تبادلا نظرات القلق. كمال سأل: “ما هو؟”
“لكي ينجو أحدكما… يجب أن يُضحي بالآخر.”
ساد الصمت. جلنار نظرت إلى كمال سريعًا. كمال بلع ريقه. كلاهما يعرف الآخر جيدًا… وكلاهما لم يعرف يومًا معنى التضحية.
ثم… صرخت جلنار: “كمال هو المسؤول عن كل شيء! كان يُنفذ أوامري، لكنه كان يستمتع بذلك!”
كمال صُدم، لكنه ضحك ضحكة قصيرة ثم قال: “لا تصدقها، إنها كانت المحرّك الأساسي، أنا مجرد منفّذ!”
الرجل الأنيق ابتسم، وأغلق الملف.
“كما توقعت تمامًا…”

سقوط القناع
فجأة، ظهرت من النفق الأسود أيدٍ سوداء عملاقة، امتدت نحوهما والتفّت حول جسديهما.
جلنار صرخت، وحاولت التمسك بالمكتب، لكن يدًا قوية سحبتها. كمال حاول التراجع، لكنه شعر بجاذبية رهيبة تشده نحو الظلام.
كان بإمكانهما سماع أصوات الضحايا تملأ المكان… أصوات الأطفال الذين رُفضت أحلامهم، أصوات المعلمين الذين دُمّرت حياتهم، أصوات أولياء الأمور الذين فقدوا ثقتهم في العدل.
“لا! لم أحصل على فرصة!” صرخ كمال.
“أنا لا أستحق هذا!” صرخت جلنار.
لكن الرد جاء من الرجل الأنيق، وهو ينظر إليهما ببرودٍ قاسٍ:
“أنتما من اخترتما طريقكما منذ البداية… والآن، كل شيء يُدفع ثمنه.”

مكتب بلا أصحاب
في صباح اليوم التالي، عندما عاد المعلمون والطلاب إلى المدرسة، كان مكتب المدير والوكيل مغلقًا بإحكام.
لا أحد يعلم أين اختفى كمال وجلنار. لا أحد رأى جثتيهما، ولا تركا أثرًا خلفهما.
لكن كل ليلة، عند منتصف الليل، كان الحارس يسمع صوتًا يأتي من داخل المكتب المغلق…
“أنا بريء… أنا بريء!”
وصوتًا آخر أكثر شراسة:
“كان هو السبب! كان هو السبب!”
لكن لا أحد كان يجرؤ على فتح الباب… لأن الجميع أصبح يعلم أن “ليلة سقوط الذئاب” كانت الليلة التي حُسم فيها مصير الفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى