الرئيسيةمقال

كرامات الأولياء: أسرار، دلائل وبركات (١) 

كرامات الأولياء: بين الحقيقة والأسطورة

بقلم الدكتور ناصر الجندي

بين التصديق والدهشة
لطالما كانت قصص كرامات الأولياء مصدر إلهام ودهشة للمسلمين عبر العصور. في مجالس الصوفية، وفي كتب التاريخ، وعلى ألسنة الناس، تروى حكايات عن رجال ونساء اختصهم الله بقدرات خارقة للعادة. هذا وليّ يمشي على الماء، وآخر يعرف ما في القلوب، وثالث يُطعم مئات الناس من طعام قليل لا ينفد!
لكن بين الإعجاب بهذه القصص والتصديق المطلق بها، يقف كثيرون مترددين، يتساءلون: هل هذه الحكايات حقيقية أم أنها مجرد مبالغات وأساطير نُسجت حول شخصيات صالحة؟ وكيف نميز بين الكرامة الحقيقية والخرافة؟

في هذا المقال، سنحاول أن نبحر في أعماق هذا الموضوع، مستعرضين مفهوم الكرامة في الإسلام، والأدلة عليها، ومعايير التمييز بين الحقيقة والمبالغة، حتى نصل إلى رؤية واضحة ومتزنة.

ما هي الكرامة؟ وهل تحدث فعلاً؟
قبل أن نحكم على الكرامات، علينا أولًا أن نفهم معناها.
الكرامة في اللغة تعني العطاء والتشريف والتكريم. أما في المفهوم الإسلامي، فهي:
 “أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد عبدٍ صالح، تكريمًا له، وليس لإثبات نبوته، بخلاف المعجزة.”
إذًا، الكرامة تحدث للأولياء الصالحين، وهم أناس بلغوا درجة عالية من الإيمان والتقوى، لكنهم ليسوا أنبياء. والكرامة ليست شيئًا يطلبه الولي أو يسعى إليه، بل هي هبة من الله تأتي دون توقع أو تخطيط.

كرامات الأولياء في القرآن والسنة: دلائل واضحة
البعض قد يظن أن الكرامات مجرد أوهام، لكن الحقيقة أن القرآن الكريم والسنة النبوية أثبتا وجودها. لنأخذ بعض الأمثلة:
1. قصة مريم عليها السلام
كانت السيدة مريم تُرزق بطعامٍ خاص في محرابها دون أن يعرف أحد مصدره، وعندما سألها نبي الله زكريا عليه السلام عن ذلك، أجابت:
 “هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (آل عمران: 37).
هذه كرامة واضحة: رزق غير متوقع، يأتي من الله مباشرة دون سبب ظاهر.

2. أصحاب الكهف: نوم خارج قوانين الطبيعة
شاب مؤمن ينام لساعات طويلة أمر طبيعي، لكن أن ينام مجموعة كاملة من الشباب ثلاثمئة وتسع سنين ثم يستيقظوا وكأنهم ناموا ليلة واحدة؟ هذا حدث فوق الطبيعة!
يقول الله تعالى:
 “وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا” (الكهف: 25).
هذه ليست معجزة، لأن أصحاب الكهف لم يكونوا أنبياء، لكنها كرامة عظيمة حفظهم الله بها.

3. حديث النبي ﷺ عن الأولياء
النبي ﷺ قال في الحديث القدسي الشهير:
 “من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب…” (رواه البخاري).
وهذا يدل على أن الأولياء لهم مكانة خاصة عند الله، وقد يُكرمهم بكرامات خارقة للعادات.

لكن كيف نفرّق بين الكرامة الحقيقية والخرافة؟
مع مرور الزمن، اختلطت القصص الحقيقية بالمبالغات، فأصبحت بعض الكرامات تبدو كأنها أساطير خيالية. فكيف نميز بين الأمرين؟
1. لا يمكن أن تخالف الكرامة الشريعة
إذا سمعت عن كرامة تناقض تعاليم الإسلام، فهي ليست كرامة!
مثلًا، لو قال أحدهم إن هناك وليًا أعفي من الصلاة والصيام لأن الله قرّبه منه، فهذا باطل، لأن الولاية لا تعني سقوط التكاليف الشرعية.

2. الكرامة ليست سحرًا أو دجلًا
الكرامة هبة من الله، أما السحر فهو عمل شيطاني. إذا كان هناك شخص يقوم بأعمال غريبة لكن بطرق غامضة ومريبة، فهذا أقرب إلى السحر أو الشعوذة، وليس كرامة.

3. الأولياء لا يدّعون الكرامات
الأولياء الصالحون الحقيقيون لا يسعون لإثبات كراماتهم أو التفاخر بها. بل هم متواضعون، يخشون الله، ولا يهتمون بلفت الأنظار.

4. لا بد من رواية موثوقة
كثير من قصص الكرامات المنتشرة في الكتب الشعبية لم تُروَ بإسناد صحيح، وبعضها تعرّض للمبالغة عبر الزمن. لذا، قبل تصديق أي قصة، لا بد من البحث عن مصادرها والتأكد من صحتها.

أمثلة من كرامات الأولياء الحقيقية
رغم وجود القصص الملفقة، هناك كرامات موثوقة نقلها الثقات عبر التاريخ، مثل:
1. عمر بن الخطاب وسارية
كان عمر بن الخطاب في المدينة، وجيش المسلمين بقيادة “سارية” يقاتل في بلاد فارس. فجأة، صعد عمر على المنبر ونادى بأعلى صوته:
 “يا سارية، الجبل!”
فسمعها سارية وهو في ساحة المعركة، واتخذ موقعًا أفضل أنقذ الجيش من الهزيمة!
هذه كرامة حقيقية، سمعها جمعٌ من الصحابة، ولم ينكرها أحد.

2. عبد القادر الجيلاني وكشف القلوب
الإمام عبد القادر الجيلاني كان يُعرف ببصيرته القوية حتى إنه كان يكشف نيات الناس قبل أن يتحدثوا! لكن رغم ذلك، كان متواضعًا ولا يسعى للشهرة.

3. الإمام الشافعي والإلهام الفقهي
كان الإمام الشافعي يقول أحيانًا أحكامًا فقهية دون أن يكون لها دليل واضح، ثم بعد سنوات، يجد العلماء الدليل في نصوص لم تكن معروفة وقتها!

بين التصديق والوعي
كرامات الأولياء حقيقة ثابتة في الإسلام، لكنها ليست سحرًا، ولا تُناقض الشريعة، وليست وسيلة لكسب الشعبية أو التفاخر.
علينا أن نؤمن بها باعتدال: نصدق ما يوافق العقل والنقل، ونرفض المبالغات والخرافات.

في المقال القادم من هذه السلسلة، سنتناول موضوعًا مهمًا: “الولاية والكرامة: كيف يصبح الإنسان وليًا؟ ولماذا يمنحه الله الكرامات؟” ترقبوا المزيد من الأسرار والحقائق!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى