
بقلم الدكتور ناصر الجندي
بين الحقيقة والخيال.. كيف لا نقع في الفخ؟
لطالما كانت كرامات الأولياء محط دهشة وإعجاب، فهي علامات على مكانتهم الروحية، ودليل على قربهم من الله. لكن في المقابل، تنتشر الكثير من القصص الغامضة التي يصعب تصديقها، بل إن بعضها يبدو وكأنه مستوحى من الأساطير، وليس من الدين.
كيف نفرق بين الكرامة الحقيقية والخرافة المصطنعة؟ كيف نعرف إن كان ما يُروى عن الأولياء أمرًا صحيحًا أم مجرد أوهام؟ وهل كل ما يُنسب إلى الأولياء هو حق، أم أن هناك من يستغل حب الناس للكرامات لتحقيق مكاسب شخصية؟
في هذا المقال، سنكشف المعايير الحقيقية التي تميز الكرامة عن الخرافة، وسنعرض نصائح عملية تحميك من التصديق الأعمى أو الإنكار المطلق. استعد لهذه الرحلة الفكرية التي ستمنحك بصيرة نافذة لتفرق بين النور والسراب!
ما هي الكرامة الحقيقية؟
قبل أن نحكم على قصة ما بأنها “كرامة” أو “خرافة”، علينا أن نفهم أولًا ما معنى الكرامة في الإسلام؟
1. الكرامة: هدية من الله لعباده الصالحين
الكرامة هي أمر خارق للعادة يحدث لأولياء الله الصالحين، دون أن يكون مرتبطًا بادعاء النبوة أو طلب الشهرة. فهي ليست سحرًا ولا شعوذة، بل نعمة من الله يهبها لعباده الذين اتقوه وأخلصوا له.
2. الفرق بين الكرامة والمعجزة والسحر
* المعجزة: تحدث فقط للأنبياء، مثل شق البحر لموسى عليه السلام.
* الكرامة: تحدث للأولياء، مثل استجابة الدعاء فورًا أو المشي على الماء.
* السحر: حيل يقوم بها المشعوذون بالتعاون مع الشياطين.
3. شروط الكرامة الحقيقية
لكي نقبل قصة على أنها كرامة، يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
موافقة الشرع: لا يمكن أن تكون الكرامة مخالفة للقرآن أو السنة.
حدوثها لعبد صالح: الكرامات لا تُعطى إلا للأولياء المتقين.
عدم الادعاء: الأولياء لا يسعون لإظهار كراماتهم ولا يتفاخرون بها.
ليست وسيلة لجذب المال أو الشهرة: الكرامة لا تُستخدم لأغراض دنيوية.
كيف نكشف الخرافة من الكرامة؟
مع انتشار القصص العجيبة، يصبح من الضروري أن نكون حذرين، وهذه بعض الخطوات التي تساعدك على التفريق بين الكرامة الحقيقية والخرافة:
1. هل توافق القصة القرآن والسنة؟
أي قصة تدعي أن الولي فعل شيئًا يخالف الإسلام فهي مرفوضة تمامًا. على سبيل المثال:
شخص يدّعي أن أحد الأولياء أسقط عنه الصلاة أو الصيام!
قصة تقول إن الولي يستطيع أن يغفر الذنوب بنفسه دون توبة!
2. هل القصة موثقة أم مجرد حكايات؟
الكثير من الخرافات تنتشر دون أي دليل، بل تكون مجرد “سمعت من فلان”، بينما الكرامات الحقيقية غالبًا ما تكون موثقة في كتب العلماء. لذلك، اسأل دائمًا:
* من رواها؟
* هل لها أصل في كتب موثوقة؟
* هل تناقلها العلماء المعتبرون؟
3. هل يدّعي صاحبها الولاية؟
الأولياء الحقيقيون لا يعلنون عن أنفسهم، بل يعيشون حياة زهد وتقوى. أما الدجالون، فتجدهم يتفاخرون بكراماتهم، ويطلبون المال أو النفوذ مقابل “بركاتهم المزعومة”.
4. هل فيها خداع بصري أو سحر؟
بعض الدجالين يستخدمون الحيل البصرية لإقناع الناس بأن لديهم قوى خارقة، مثل:
* إخفاء الأشياء وإعادتها باستخدام الخداع البصري.
* القدرة على المشي على النار، وهي خدعة معروفة في الفيزياء!
* تحريك الأشياء عن بُعد باستخدام أساليب سحرية لا علاقة لها بالكرامات.
5. هل تؤدي الكرامة إلى عبادة الشخص؟
إذا وجدت أن الناس يقدّسون الشخص أكثر من تعظيمهم لله، فهذه ليست كرامة بل فتنة. الكرامات الحقيقية تجعل الناس أقرب إلى الله، لا إلى العبد الصالح.
أمثلة عملية: كرامة أم خرافة؟
كرامة حقيقية: الإمام الشافعي والمرض الذي شُفي بالدعاء
كان الإمام الشافعي يعاني من مرض شديد، فقيل له: “لماذا لا تدعو الله أن يشفيك؟” فقال:
> “إذا أراد الله شفائي، فسيكون بدون دعاء، وإن أراد اختباري، فالدعاء لن يغير إرادته.”
وبالفعل، تعافى بعد أيام دون أي علاج!
هذه كرامة حقيقية لأنها:
✔ حدثت لرجل صالح.
✔ لم يدّعها لنفسه.
✔ لم تكن وسيلة لجذب الشهرة.
❌ خرافة مشبوهة: شيخ يخرج الذهب من التراب!
في بعض المجتمعات، يزعم بعض المشايخ أنهم قادرون على تحويل التراب إلى ذهب، أو إعطاء مريديهم “أوراقًا” تتحول إلى نقود حقيقية!
هذه خرافة لأنها:
❌ تخالف القوانين الطبيعية التي وضعها الله.
❌ تستغل الناس ماديًا.
❌ لا تؤدي إلى زيادة التقوى، بل إلى الطمع والجشع.
نصائح عملية لحماية نفسك من الخرافات
✔ لا تصدق كل ما يُقال: تحقق دائمًا من صحة القصة.
✔ ارجع إلى العلماء الثقات: لا تعتمد على الإشاعات.
✔ احذر من الدجالين: إذا كان الشخص يطلب المال مقابل “بركته”، فهو محتال.
✔ لا تجعل العاطفة تغلب العقل: توازن بين الإيمان بالكرامات والحذر من الخرافات.
لا إنكار ولا تصديق أعمى!
كرامات الأولياء حقيقة شرعية، لكن ذلك لا يعني أن كل قصة نسمعها صحيحة. يجب أن نكون عقلانيين ومؤمنين في نفس الوقت، فنقبل ما وافق الشرع، ونرفض ما كان خرافة أو خديعة.
رحلتنا القادمة: “كرامات الإمام عبد القادر الجيلاني: سلطان الأولياء”!
في المقال القادم، سنتحدث عن واحد من أعظم أولياء الله، الإمام عبد القادر الجيلاني، الرجل الذي ملأ الأرض علمًا وزهدًا، والذي نسبت إليه كرامات أذهلت العقول! هل كانت كلها صحيحة؟ وما هي أشهرها؟ وكيف أثرت حياته في الفكر الصوفي؟
تابعونا في المقال القادم من سلسلة “كرامات الأولياء: أسرار، دلائل، وبركات”!