الرئيسيةمقال

كرامات الأولياء: أسرار، دلائل ، وبركات (١٢)

كرامات الإمام أبو العباس المرسي: خليفة الشاذلي وصاحب الفتوحات

بقلم الدكتور ناصر الجندى

حين تتجلى أنوار الأولياء

هل سمعت يومًا عن رجلٍ جعل البحر صديقًا، والسماء شاهدًا، والقلوب تفيض نورًا حين يُذكر اسمه؟ في مدينة الإسكندرية، حيث يمتزج الموج بحكايات الزمان، يرقد الإمام أبو العباس المرسي، أحد أعظم الأولياء الذين أضاءوا سماء التصوف.
لم يكن مجرد شيخٍ أو عالمٍ زاهد، بل كان بحرًا من الحكمة، ونهرًا من الفيض الإلهي، رجلًا لم يمرَّ في الأرض إلا وترك أثرًا خالدًا. كيف التقى بشيخه أبي الحسن الشاذلي؟ وما هي الكرامات التي جعلت الناس يتحدثون عنه حتى اليوم؟ هذا ما سنكشفه في هذا المقال المشوّق عن سيد البحر، ونور الإسكندرية، وولي الله الصالح: أبو العباس المرسي.

أولًا: من هو الإمام أبو العباس المرسي؟

في مرسية، المدينة الأندلسية التي أنجبت العظماء، وُلد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري المرسي عام 616 هـ (1219م). لم يكن طفلًا عاديًا، بل كان منذ صغره محبًّا للعلم، شغوفًا بالمعرفة، يبحث عن شيءٍ أكبر من الدنيا، كأنه كان يسمع نداءً خفيًا يدعوه إلى طريق النور.
وحين اشتد عوده، قرر أن يترك الأندلس مع أسرته متجهًا إلى الشرق. لم تكن مجرد رحلة، بل كانت هجرة روحية، قادته إلى أهم لقاء في حياته، اللقاء الذي غيّر كل شيء: لقاؤه بالشيخ أبي الحسن الشاذلي.
حين نظر الشاذلي إلى هذا الشاب النبيل، رأى فيه سرًّا لم يره في غيره، فجعله أقرب تلاميذه، وأخذ بيده في طريق العشق الإلهي، حتى أصبح أبو العباس خليفته ووارث أسراره.

ثانيًا: كرامات الإمام أبو العباس المرسي – بحرٌ بلا ساحل

عندما يتحدث الناس عن الأولياء، فهم يتحدثون عن أرواحٍ تجاوزت حدود المألوف، ورأت ما لم يره الآخرون. أبو العباس المرسي كان واحدًا من هؤلاء، بل كان من أقطابهم، ورُويت عنه كرامات جعلت الجميع يُدرك أن هذا الرجل لم يكن إنسانًا عاديًا.
1. كشف الغيب ورؤية ما لا يُرى
كان أبو العباس يقول: “والله لو غاب عني رسول الله طرفة عين، ما عددتُ نفسي من المسلمين”. لم يكن مجرد قول، بل كان حقيقة عاشها، إذ قيل إنه كان يرى أمورًا لم يكن أحد يعرفها، وكان يخبر الناس بما سيحدث، فيقع كما قال تمامًا.
2. العلم اللدني الذي لا يحتاج إلى كتاب
كان طلاب العلم يجلسون أمامه ليسمعوا منه شرحًا للحديث والفقه والتفسير، لكنه لم يكن يحمل كتابًا، ولم يكن يحتاج إلى مصدر مكتوب. حين سأله أحدهم: “من أين تأتي بكل هذا العلم؟”، أجاب:
“من الله، فإذا شئتَ أن تأخذ عني، فخذ، وإن شئتَ أن تأخذ عن الكتب، فاذهب إليها”.
3. استجابة الدعاء وبركة الولاية
جاءه رجلٌ يشكو ضيق الحال، فقال له أبو العباس: “اذهب، فقد وسّع الله عليك”. وفي نفس اليوم، حصل الرجل على رزقٍ لم يكن يتوقعه.
وجاءته امرأة تبكي مرض طفلها، فرفع يديه إلى السماء، ولم يكد يُتم دعاءه حتى عاد الطفل صحيحًا كأنه لم يكن به شيء.
4. الظهور بعد الوفاة
قيل إن بعض مريديه كانوا يرونه في المنام، بل إن بعضهم أقسم أنهم رأوه في وضح النهار بعد وفاته، يطمئنهم، ويوجههم، كأن روحه الطاهرة لم تفارق الدنيا.

ثالثًا: الإمام أبو العباس المرسي – معلم العشق الإلهي

لم يكن أبو العباس مجرد صاحب كرامات، بل كان معلمًا في مدرسة العشق الإلهي، يأخذ بأيدي مريديه نحو الله، ويرشدهم إلى الحقيقة الكبرى: أن الله أقرب إلينا مما نتصور، وأن الطريق إليه ليس بالصعوبات، بل بالحب.
كان يقول: “إذا أردتَ أن تعرف مقامك عند الله، فانظر أين أقامك”. لم يكن يريد من الناس أن يتركوا الدنيا، بل أن يعيشوا فيها بقلوبٍ متصلة بالله.

رابعًا: دروس من حياة الإمام أبو العباس المرسي

حياته لم تكن مجرد قصة عن وليٍّ صالح، بل كانت درسًا لنا جميعًا، درسًا يقول:
* الكرامة الحقيقية ليست في المشي على الماء، بل في المشي إلى الله بقلب صادق.
* القرب من الله لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى إخلاصٍ ونيةٍ طيبة.
* العلم الحقيقي ليس ما يُقرأ فقط، بل ما يُعاش.

الرحلة مستمرة نحو آل البيت

بعد أن عشنا مع الإمام أبو العباس المرسي في بحر كراماته، ننتقل الآن إلى نجمٍ آخر في سماء الأولياء، نجمٍ من آل بيت النبي، رجلٍ كان نورًا متجليًا، وحبًّا خالدًا، وكرامةً لا تنتهي.

انتظروا المقال القادم: “كرامات الإمام الحسين بن علي: سيد شباب أهل الجنة وكراماته في مصر”

هناك، في قلب القاهرة، حيث يرقد الإمام الحسين، تتجلى أسرارٌ تُدهش العقول، وكراماتٌ يشهدها المحبون حتى اليوم. فما سر ارتباط المصريين بالإمام الحسين؟ ولماذا بقيت كراماته حيّة في قلوب الناس عبر الزمن؟

رحلتنا لم تنتهِ بعد، فالمزيد من الأسرار بانتظاركم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى