المزيد

شفيقة ومتولي السينما والحكي في الموروث الشعبي

د. فرج احمد فرج

 

باحث انثروبولوجيا

العفة والشرف تاج الانثي في بلادنا – يقول “الجرجاوى”إذا عيرته بانحراف بنت بلده “شفيقة لقيت راجل يغسل عاره.. إنما الهم والباقى ع اللى مش لاقيين رجالة”

احكي وقول واعزف علي الربابة حكاوي العشاق والمغرمين صبابا ما هو الصبي عاشق صبية ويا حسرة مكسبش غير الردية

ودوري يا كاميرا وانقلي الاحساس واحفظي وارشفي حكايات زمان .. لسه فاكر حكاية صبايا وقعوا في غرام الصبي وماتوا مكسوري الخاطر

وبنات طاشت واصبحت معيرة فتاهت وسط الخلايق ولكن كان لها بالمرصاد من يمحي عاره ويمسح سكينتة ويحملها علي رؤوس الخلايق غرقانه في دمها .. وينادي ويقول الحاضر يعلم الغائب – الراجل – راجل حتي لو علقوا له المشنقة .

يقول المثل الشعبي «من فات قديمه تاه»، واللى مالوش ماضى مالوش حاضر وقديم الإنسان هو تراثه وتاريخه، فالشخصية المصرية هى حصيلة التقاء ثقافي فريد، وإسهام حضاري فذ، وتاريخ ممتد، تواصلت فيه مصر مع غيرها وأنتجت شخصية مصر التراثية التى نبعت من حواريها وشوارعها وأقاليمها المختلفة ،

اذا كان الفن السابع قد صار فن عصره وأوانه وصارت الكاميرا منشغلة بالإنسان وتحتل زاوية مهمة في مسارات الأدب اليوم لأننا بصدد الحديث عن عصر الرقمنة و الصوت والصورة، خطفت السينما اليوم البقعة الأولى من احتل المشهد الثقافي ، ومن قضاياها استلهام بريق الحكايات الشعبية التي كانت أداة مهمة للتربية والتلقين قديما وترسيخ الأسس المعرفية المختلفة .

كان الأدب شفهيا وكانت الجدة تلعب فيه الدور المحوري وجعل منطلقا في تكوين شخصية الإنسان فالحكايات تلعب دورا مهما في توسيع منادح العقل والفكر ورغم كونها شفهيه إلا أنها كانت تشكل صورة متنقلة تأخذنا إلى عوالم مختلفة ،

هكذا تستطيع السينما أن تخضع المكان لتحولات تجعله مجرد فضاء افتراضي يتفاعل مع المتلقي وفق ظروف سينمائية خاصة مع تأطير المجال بمؤشرات سمعية وبصرية مما يعدد ربط الدلالات السينمائية بالذاكرة الجماعية، تلك المؤشرات البصرية تتطلبها الصورة وحاجتنا لها هنا هو مراعاة العادات والتقاليد بما أننا فضلنا الاشتغال على نص تراثي كسيناريو

ولان التراث الشعبي محفورا في الوجدان ويتكون من عادات الناس وتقاليدهم، وما يُعبرون عنه من آراء وأفكار يتناقلونها جيلاً بعد جيل، وهو استمرار للفولكلور الشعبي كالحكايات الشعبية، والأشعار والقصائد المتغنى بها، وقصص الجن الشعبية، والقصص البطولية، والأساطير، ويشتمل على الفنون والحرف، وأنواع الرقص واللعب، والأغاني، والحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائدة والألغاز، والمفاهيم الخرافية، والاحتفالات والأعياد الدينية

الغناء الشعبي هو لسان الشعب، غالبا ما كان يتغنى بقضايا الطبقة الكادحة، وتمتلك مصر كمّا هائلا من التراث الغنائي والموسيقي، الذي يختلف ويتنوع وفقا للبيئة التي خرج منها، ويعتقد أن المصريين هم أول من ابتكر الغناء الشعبي، معبرا عن وجدان الشعب وأحلامه وآماله وآلامه.

تمتلك مصر كمّاً هائلاً من التراث الغنائي والموسيقي، الذي يختلف ويتنوع وفقاً للبيئة التي خرج منها. من أغاني البدو وصولاً لأغانى النوبة

وشفيقة ومتولي – بقت اغنية تمجد الرجولة وتحدد مصير من تخرج وتعير اهلها بفعلها المشين

منذ العصور والازمان كان هناك دائما تاريخ مكتوب رسمي واخر شفاهي شعبي اي متواتر بين الناس واحيانا يكون سريا والتيمة الرئيسية غالبا ما تكون هي الصراع بين الخير والشر والوجدان الجمعي الشعبي يفضل لكي ينتصر الخير في النهاية ويكون له مزاقا وحلاوة وطلاوة ان يكون مغلفا بقوة وليس ضعيفا ودائما يتعاطف الوجدان الشعبي مع المظلوم المقهور او صاحب حق ومظلمة وهذا ما رايناه في متولي المعير بشرف اخته ” فقتلها” ونجد الحث الاخلاقي وغلبة العادات والتقاليد في مجتمع يزهو بنفسه وسط الطهر والشرف –

وهذا ما تناوله الادب الشعبي سواء سردا او موالا او اغنية في قصة شفيقة ومتولي ففي الادب الشفاهي تطورت القصة عبر اجيال وحقب .وهذا الحث الشعبي الكاره للرزيلة والانحراف وضع في متولي فورة رتق ثوب العفة التي خرقته شفيقة ولم يجد له مناص غير ازاحتها من الوجود – يقينا منه ان الثوب المخترق ومرقع هو في النهاية مفسدة ومعيرة .

وهنا راينا البطل الشعبي والذي صنعه الحالمين بالطهر والنقاء وحكمته العادات والتقاليد والموروث في الفلكلور والادب وقد اختاره القدر كما يختار الحث الشعبي ابطاله بالنيابة عن الجمع الشعبي لكي يضع نوعا من التوازن الداخلي للمجتمع ويعيد اليه الاتزان النفسي..

القصة الحقيقية وقعت فى قرية “المجابرة” التابعة لمركز جرجا بمحافظة “سوهاج” – واحده من محافظات جنوب الصعيد – وفيها هربت “شفيقة” ل “بيت دعارة” فى مدينة ” أسيوط” يجاور ” قهوة العطيلى”، وكان “متولى” مجندا فى الجيش، فعيره “جندى” بانحراف أخته وعملها فى “الدعارة ” الأمر الذى جعل “متولى” يتقدم للقائد بطلب “إجازة”، وفى “الإجازة” عرف الحقيقة، وانتقم لشرفه الضائع، وقتل “شفيقة”، وتم الحكم عليه بالسجن ستة شهور.. ده هو ما حدث، حسب تأكيدات الأهالى فى قرية ” المجابرة”، وظل أهالى “سوهاج” يتلقون ” المعايرة” من أهالى المحافظات التانيه، لحد اهتدوا ل جملة رادعة لكل من يعيرهم بانحراف “شفيقة”.. يقول “السوهاجى”إذا عيرته بانحراف بنت بلده “شفيقة لقيت راجل يغسل عاره.. إنما الهم والباقى ع اللى مش لاقيين رجالة” ، وهو رد يحتوى اعترافا بما حدث، لكنه يحتوى اتهاما بأن ستات التانيين لم يجدن الرجال اللى يقتلوهن ويغلسون الشرف الرفيع بالدم.

ولكنه اصبح اسطورة بعد الحادثة بقا متولي أسطورة فى بلده، ورمزاً لمعنى «الرجولة» الصعيدية، فإذا أردت أن تشرح قلب أى «جرجاوي» ناديه باسم «متولي» تجده باسماً منشرحاً. وتعلق الكثير من أفراد الشعب المصري وجماعاته بشخصية متولي، لا يدل على شىء اكتر من الاستعداد الدائم لإدانة «الستات» بسبب أو بدون، ويمثل متولي المنفذ الأمثل لإخراج ما بالمجتمع من همجية ووحشية، مش أدل على ده من المشهد الوارد فى الملحمة اللى يصور تقطيع جثة «شفيقة» وإلقاءها فى الشارع، والأغرب والأخطر هو أن ده النموذج الوحشي تسرب بالفعل ل وعي المجتمع، وبقت كل الستات “شفيقة” لحد إن لم يخطئن، وبالتالي لا يطمع الرجال إلا فى أن يكونوا متولي الجرجاوى.

ففي روايتنا جعلت في الحقيقة من القاتل بطلا ” البانوراما الملحمية التي تحكيها الشاشة وتحكيها فرقة رحيل تحت عنوان ” النخل باع ليفه” .

برؤية جديدة دمج فيها المخرج الصورة والصوت السينمائي والشاشة الفضية لفيلم شفيقة ومتولي وحوله من صورة متحركة لاشخاص في بعد انساني علي المسرح يبدعون من خلال الاشعار والجمل الادائية ويقتربون من المتلقي في بعد ثلاثي مكون من عرض شاشة وامامها العازفين المهرة بالرق والطبله وانغام الناي ومنشد الربابة والمطربين والبعد الثالث الحي المؤدين المبدعين بانفاسهم التي تلاقت بانفاس المتلقين علي كراسي المتفرجين اجادت المطربة الاساسية للعرض والمطرب الشاب وكعادة افراد الفرقة الاجتهاد اجاد مبدعي ” النخل باع ليفه” الاشعار والاغاني اشرف الخطيب والحان سامح هريدي واشعار علي الشراري واداء المبدعين مريم طارق واسراء حمودة وفاطمة سعد وسوسن رضوان ومريم احمد ودراما نورج محمود محمد رؤية وتقديم كمال حسني عبده وشهرته حسام عزام،.

ومن رؤيتي للعرض لو توفر للمخرج والفنانين الوسائل السمعية والصوتية والعروض البانورامية طالما استخدمنا الشاشة لخرج العمل وفجر قدرات اوسع لهؤلاء المبدعين ولكن ماذا نفعل ان كان هذا مقدرا ان تخرج اعمالنا في اضيق الامكانات ونستطيع علي راي المثل ” الشاطرة تعمل من الفسيخ شربات ” . شكرا للجهد المخلص والفنانين المبد

عين للنخل باع ليفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى