بقلم محمد حسن – سوريا- القامشلي
خلال فصل الصيف وفي ظلّ الارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة إلى أقصاها يزداد الطلب على المياه بشكل كبير، وفي مدينة الحسكة وريفها في شمال شرق سوريا تفاقمت أزمة المياه منذ أن سيطرت فصائل المعارضة السورية المسلّحة الموالية لتركيا على آبار محطّة (علوك) المغذّية للمنطقة منذ أواخر 2019
وتعاني مدينة الحسكة وريفها والمخيّمات القريبة منها شُحًّا كبيرًا في مياه الشرب، حيث تعتمد تلك المنطقة على آبار محطّة (علوك) قرب مدينة رأس العين/ سري كانيي، وقد تحوّلت هذه الأزمة المتكرّرة إلى ورقة ضغط على المنطقة بعد عملية “نبع السلام” التركية واحتلال أجزاء من الأراضي السورية.
مواطنون يشتكون:
خلال هذه الأزمة يتأثّر المواطنون يشكل كبير ويتحمّلون أعباءً إضافية تثقل كاهلهم، حيث يضطرّ المواطن إلى البحث عن مصادرَ بديلة لتأمين المياه، وفي كثير من الأحيان يضطرّ إلى شراء المياه للشرب والاستعمالات الأخرى؛ وهو ما يحمّل المواطن مصاريف إضافية قد لا يقوى على تحمّلها، عبدالله السالم وهو مواطن من حيّ النشوة الغربية في مدينة الحسكة يقول لوكالة (نورث برس):” أوضاعنا سيّئة جدّا بل تزداد سوءاً منذ خمس سنوات، بدأ ضخّ المياه منذ شهر أو أكثر، وتصل المياه إلى بعض الناس دون غيرهم، وأنا من الذين لا تصلهم المياه، نحن لا نحصل على المياه إلا عن طريق المنظّمة، وإذا ما أردت شراء الماء وعندي ثلاث عائلات في منزلي فتلزمني خمسة براميل، وثمنها 12000 ليرة سورية ( حوالي دولار واحد وربع الدولار)، ولولا هذه الخزانات كنّا سنموت من العطش.”
أمّا قاطنو المخيّمات في ريف الحسكة فهم أيضًا لم يسلموا من تداعيات أزمة المياه ونتائجها، حيث يعانون من أزمة ونقص حادّين في المياه، خصوصًا في ظلّ الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، بل إنّ تأثير أزمة المياه قد تضاعف لدى قاطني المخيّمات؛ بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها ضمن أسوار المخيّمات، وفي مدينة الحسكة توجد أربعة مخيّمات للنازحين، ويُعَدّ مخيّم (واشوكاني) الواقع شمالي الحسكة أكبرها، حيث يقطنه أكثر من 16 ألف نازح من منطقة سري كانيه (رأس العين) وريفها، ومنذ أيام أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مدينةَ الحسكة ومناطق تابعة لها “مناطق منكوبة” بسبب أزمة المياه.
أسعد حميد، وهو من قاطني مخيّم “واشوكاني” للاجئين تحدّث عن معاناته اليومية بسبب أزمة المياه، فقال لوكالة نورث برس:” بالنسبة لموضوع المياه، يبلغ عدد الخيم لدينا عشرون خيمة ونشترك في خزّانَي ماء، حيث تصلنا المياه كل يوم منذ الصباح، لكنّها لا تكفينا، فخلال نصف ساعة ينفد الماء من الخزّان ويصبح فارغًا تمامًا، حيث تعمل مكيّفات الهواء وتحتاج إلى ماء للتبريد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وفقدان المياه، وأنا الآن عدت من الدوام، وبدلًا من النوم والراحة أمام المكيّف ها أنا ذا أبحث عن المياه لأجد خزّان ماء مملوءًا وأملأ منه المكيّف.”
قطع المياه عن الحسكة وريفها “ورقة ضغط” على المنطقة
بعد العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في الأراضي السورية تحت مُسمّى “نبع السلام” واحتلالها أجزاءً من الأراضي السورية، وإطلاقها يد الفصائل المسلّحة التابعة للمعارضة السورية الموالية لتركيا في تلك المناطق المحتلّة، وكانت مدينة “سري كانيي/ رأس العين” من ضمن تلك المناطق، ونتيجة لذلك فقد سيطرت تلك الفصائل على محطّة مياه “علوك” القريبة من “سري كانيي/ رأس العين”، هذه المحطة التي تغذّي مدينة الحسكة وريفها والمخيّمات التابعة لها، وبالتالي فقد تحوّلت هذه الأزمة إلى ورقة ضغط على المنطقة، لاستغلالها في الميدان العسكري والسياسي.
ورغم أنّ الأمم المتحدة قد دعت لأكثر من مرّة إلى تحييد محطة (علوك) وإخراجها من دائرة الصراع الدائر في المنطقة؛ كونها تؤثّر على حياة المدنيين، ورغم أنّها تعلن بين الحين والآخر إيصال الكهرباء للمحطّة المذكورة، إلّا أنّ المحطّة مازالت معطّلة إلى اليوم، ولا يزال السكّان المحلّيون يعانون الأمَرّين بسبب أزمة المياه.
وعلى هامش مؤتمر بروكسل للمانحين من أجل سوريا الذي عُقِد يومَي ١٤-١٥ من حزيران الماضي، تحدّث عزالدين صالح المدير التنفيذي لرابطة (تآزر) للضحايا عن أزمة المياه في الحسكة وريفها، فقال:” إنّ أزمة المياه لاتزال متفاقمة، وتشكّل أحد الأسباب الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي، وتقويض سُبل العيش، والهجرة بحثًا عن الموارد، علاوة على أنّ شُحّ المياه وسوء نوعيتها خصوصًا في مخيّمات النازحين العشوائية في الأجزاء الشمالية من سوريا، يتسبّب في انتشار أمراض تهدّد حياة النازحين والقاطنين في تلك المخيّمات.”
الحلول المطروحة على الأرض
نظرًا إلى النتائج الكارثية التي تخلّفها أزمة المياه في الحسكة وريفها على السكّان المحلّيين وكذلك قاطني مخيّمات اللجوء، لا بدّ من طرح الحلول لمعالجة المشكلة.
حيث يجب أن تتضافر جهود الجميع لإيجاد حلّ سريع وجذري للمشكلة، وعدم استغلال أي طرف لهذه الأزمة من الناحية السياسية أو العسكرية، كما يمكن أن نقسّم الحلول الممكنة إلى قسمَين؛ الأول حلّ جذري ألا وهو تحييد محطّة (علوك) الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا عن الصراع العسكري والسياسي الدائر بين الأطراف الموجودة على المشهد؛ لأنّ تلك المحطة تغذّي المنطقة بالمياه وتُعتبَر المورد الرئيسي لتزويدها بالمياه.
أمّا القسم الثاني من الحلول فهي مؤقّتة وإسعافية، ومن أبرزها تلك أن تُطلِق المنظّمات الدولية والإنسانية والسلطات المحلية المعنية بالمياه مبادرات وحملات تزويد للمنطقة بالمياه بواسطة الصهاريج وتوزيعها على السكّان المحلّيين وقاطني المخيّمات مجّانا، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون نتيجة فقدان الليرة السورية لقيمتها بشكل كبير ولافت، ومنها أيضًا وضع برنامج يتمّ من خلاله توزيع المياه على الأحياء والقرى بانتظام دون أي خلل أو تجاوز، وتشرف عليه جهات معنية محايدة.
كلمة أخيرة:
إنّ كارثة حقيقية تحدّق بمدينة الحسكة وريفها والمخيّمات المنتشرة فيها إذا ما لم تتمّ معالجة مشكلة المياة وما لم يتمّ تحييد محطّة (علوك) وإخراجها عن دائرة الصراع، فالمنطقة يعيش فيها عدد كبير من السكّان سواء كانوا من سكّانها المحلّيين أو الوافدين أو القاطنين في المخيّمات، لذا لابدّ من التحرّك السريع لوضع حدّ لتلك الكارثة المُحدِقة بالمنطقة وتخفيف آثارها على السكّان.