مقال

** بائعة الفل **

البوابة اليوم د/ إسماعيل محمد

بإمكانك أن تدعي أنها بلدك، وسوف تصدق وستراها تفتح لك ذراعيها، إنها مصر، وطن مع الوطن، وقلب يجوار القلوب، مصر طيبة والأهرامات والأغنية القادمة من بعيد َمن مقهى في الحسين أو من قارب يتهادى على صفحة نيلها الخالد، مصر الساهرة حتى الصباح بل هى الصباح، مصر الحلم المباح.
بائعة الفل، تلك هى مصر، لا تبيع سوى الفل والأزهار والأشعار، مصر موطن طه حسين، والعقاد، ونجيب محفوظ، وأحمد زويل.
مصر الشمس التي أشرقت قبل الشمس وجاءت قبل الصباح وبقيت حتى المساء، مصر أروع ما تسمع من غناء، صوت أم كلثوم على أفواه العشاق، وعود عبد الوهاب، ودعاء النقشبندي، وآذان من فم الأزهر خالد عبر الزمان.
كل ما في الأغاني ليس كلاما يمضي، هى فعلا أحلى بلد، وفيها أجدع ولد، هى كتلك النغمات التي تنساب تؤسر الوجدان، هى من سكنها قبل التاريخ الإنسان، هى كل تلك المفردات الاستثنائية التي تجمعت كعقد لؤلؤ على أرضها، هى ميراث الفراعنة الذين كانوا هنا والأنبياء الذين مروا من هنا، هى الحرب هى السلام هى الحقيقة هى الخيال هى الكلام، مصر القصيدة التي يكتب أبنائها فيها كل يوم شطرا جديدا، هى القافية التي لا تتكرر والحب الذي لا يتغير، هى القريبة أبدا لا تبتعد.
تلك الشوارع الدافئة بمن فيها، هذه المواكب الماضية إليها، رمضان الذي يزورها كما لا يزور غيرها، مصر البيت الكبير كل الأبواب تؤدي إليها، وكل الأبواب دائما مشرعة صوب ضحكات لا تراها إلا هنا بهذا النقاء وتلك البراءة.
كل ما في مصر حلو مثلها نسخة لا تتكرر فيما سواها، مشاهدها تماما كتلك المشاهد من أفلام السينما القديمة التي شكلت الوجدان، حتى الأبطال هم ذاتهم أولئك الذين يسيرون إلى جوارك؛ أنور وجدي، فريد شوقي، أحمد زكي، فاتن حمامة، نفس الوجوه ونفس الضحكات، وذات الصدور التي تتسع للعالم، جغرافيا مصر وحدها القابلة للاتساع لكل البشر، جغرافيا مصر وحدها القادرة على أن ترسم في وطن ألف وطن.
تجول في خان الخليلي، صافح التاريخ في منطقة الغورية، وارتقب موكب الأهرامات في الجيزة، واقبل دعواتهم إلى بيوتهم في الأقصر وأبو سمبل، واستمع إلى بحرها في الإسكندرية والسويس وبورسعيد.
سل الزرع عن الفلاحين في القرى الرابضة في الدلتا واستمع إلى سنابل القمح تناجي المتعبين يغمرهم الرضا والسعادة.
كل رسائل الحب تلك هل تصل؟ هل رست مركب العشاق على شاطئك أم لازالت في الانتظار تلوح برآيتها البيضاء لتحتل القلب طواعية يا حارثة التاريخ يا فتاة الأحلام يا مهد السلام، مصر كيف يتسع القلب لكل هذا الحب كيف في رحابك تصبح الصدور أكثر اتساعا.
حفظ الله مصرنا الحبيبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى