حنان محمدواعظة بوزارة الأوقاف المصرية تكتب مقال عن (جنة الدنيا)
كتبت حنان محمد
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
ثم اما بعد،
طول الأنس بالله ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاة الله تعالى لكان ذلك كافياً فكيف بما ينضاف إليه من نعيم الآخرة
نعم هذه اللذة لا تكون في ابتداء التوبة ولكنها بعد ما يصير عليها مدة مديدة وقد صار الخير ديدناً كما كان الشر ديدناً فالنفس قابلة ما عودتها تتعود والخير عادة والشر لجاجة
قال بعض العارفين : ( مساكين أهل الدنيا ! خرجوا من الدنيا ، وما ذاقوا أطيب ما فيها ؟ قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والتنعم بذكره وطاعته ) .
السعادة لن تتحقق للإنسان بدون الإيمان الذي هو جنة الدنيا ، التي تؤهله لجنة الآخرة .
قال ابن القيم ، رحمه الله : ( إن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله أبداً . وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه . وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له ، وعبادته وحده ) .
نوح : جنة عاش فيها نوح ، عليه السلام ، ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وهو يدعو قومه ليلاً ونهاراً ، سراً وجهاراً ، حتى إذا استنفد جميع الوسائل ، ولقي من قومه صنوف الأذى والسخرية ، رفع هذه الدعوة الحرى إلى ربه قائلاً : ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ .فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) .
إبراهيم : جنة وجد روحها ، ونسيمها ، إبراهيم ، عليه السلام ، وهو يلقى في النار الدنيوية ، التي أججها قومه الغاضبون ، فيقول : حسبي الله ونعم الوكيل . ويعرض له جبريل ، عليه السلام ، فيقول : يا إبراهيم : ألك حاجة ؟ فيقول : أما إليك فلا ، وأما إلى الله فبلى . فيقول الرب القدير : (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) .
موسى : جنة أوى إليها موسى ، عليه السلام ، حين سرى ببني إسرائيل، ليلاً ، فراراً من بطش فرعون وقومه ، الذين يقتلون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، حتى إذا بلغ بهم سِيف البحر ، لحقهم فرعون وجنده : (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) ؛ البحر أمامنا ، وفرعون خلفنا ، فقال واثقاً بالله : ( كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ . فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) .
محمد : جنة وجد سكينتها محمد بن عبدالله ، صلى الله عليه وسلم ، حين أوى إلى غار ثور في طريق هجرته ، حتى بلغه الطلب، فقال صاحبه أبوبكر الصديق، رضي الله عنه: ( يا رسول الله ! والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا ) فيقول مطمئناً صاحبه : ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
يااااااه ما اجمل القرب من الله حينما يزيد الايمان فى القلب ويملاء جناباتك ،،، فهذا الايمان لا ياتى الا بالصبر والرضا والشكر.
هذا الايمان بضاعة تحتاج بالفعل لبذل الغالى والنفيس تحتاج إلى الصبر على:-
اولا :تدبر آيات القرآن الكريم . قال ابن القيم، رحمه الله : ( وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرءان ، بالتدبر والتفكر…وهو الذي يورث المحبة ، والشوق ، والخوف ، والرجاء ، والإنابة ، والتوكل ، والرضا ، والتفويض ،والشكر ، والصبر ، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله. وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه .فلو علم الناس ما في قراءة القرءان بالتدبر ، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ) .
ثانيا : حضور مجالس الذكر : قال تعالى : (واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) .
ثالثاً: فعل الطاعات تقرباً لله تعالى : قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) ،
رابعاً: ترك المعاصى خوفاً من الله ، قال ابن أبي العز الحنفي ، رحمه الله : ( تفاوت درجات نور ” لا إله إلا الله ” في قلوب أهلها لا يحصيها إلا الله تعالى ؛ فمن الناس من نور ” لا إله إلا الله ” في قلبه كالشمس ! ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري ! وآخر كالمشعل العظيم ! وآخر كالسراج المضيء ! وآخر كالسراج الضعيف . ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم ، وبين أيديهم على هذا المقدار ، بحسب ما في قلوبهم من نور الإيمان والتوحيد ، علماً وعملاً)
واخيرا
. نسأل الله أن يعيذنا ، وجميع المسلمين من مضلات الفتن ، وأن يقي مجتمعاتنا الإسلامية الشرور والآثام ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .